loader image

حقوق المرأة في عُمان: بين الصورة التجميلية والتمييز البنيوي

تُقدِّم عُمان نفسها على أنها دولة رائدة في مجال حقوق المرأة مقارنة بدول المنطقة. فعلى المستوى الرسمي، لا تواجه النساء في المؤسسات الحكومية فجوة في الأجور بين الجنسين، كما يحق لهن الحصول على إجازة أمومة مدفوعة الأجر لأكثر من ثلاثة أشهر. بالإضافة إلى ذلك، تتمتع النساء بحق التصويت في الانتخابات البلدية وانتخابات مجلس الشورى، إلى جانب حق الترشح فيها. وقد شهدت مشاركة المرأة في سوق العمل نموًا مطّردًا، إلى جانب تنامي حضورها كمبادرات مستقلات في مجال ريادة الأعمال. وتشمل الحقوق الأخرى الحق في التملّك، والذي يُعتبر تجسيدًا لما ورد في المادة 21 من النظام الأساسي للدولة التي تنص على حظر التمييز القائم على النوع الاجتماعي.

ورغم هذه المظاهر التقدّمية، فإن الواقع الاجتماعي والقانوني يكشف عن تناقضات صارخة. فما تزال الأنظمة القبلية والبُنى الأبوية تهيمن على النسيج الاجتماعي، ما يُكرّس الممارسات التمييزية ضد النساء. ويتجلّى ذلك بوضوح في قوانين الجنسية، حيث لا يُسمح للمرأة العُمانية المتزوجة من غير عُماني بمنح جنسيتها لأطفالها، في حين يتمتع الرجل العُماني بهذا الحق.

علاوة على ذلك، لا توفر التشريعات العُمانية حماية قانونية شاملة ضد العنف الأسري، إذ لا يوجد قانون مستقل يُجرّم هذا النوع من العنف صراحة. كما أن القوانين المنظمة للزواج والطلاق والميراث، والمنصوص عليها في قانون الأحوال الشخصية، تتضمّن تحيّزات صريحة لصالح الذكور في عدة جوانب.

تقليص دور الجمعيات النسائية والمؤسسات المعنية بالمرأة

ففي3  مارس 2024، صدر المرسوم السلطاني رقم 14/2024، الذي يحدد اختصاصات وزارة التنمية الاجتماعية. ويود المركز أن يُعرب عن قلقه إزاء المرسوم الجديد، الذي خفّض عدد اختصاصات الوزارة من 18  اختصاصًا وفقًا للمرسوم السابق رقم 32/2003، إلى 14  اختصاصًا فقط. ويُعد تجاهل قضايا المرأة في الاختصاصات الجديدة مصدر قلق بالغ، حيث تم حذف المادتين اللتين كانتا تنصّان في المرسوم السابق على الاهتمام بشؤون المرأة والعمل على تعزيز قدراتها.

كما يُلاحظ أن الوزارة لم تتمكن حتى الآن من توفير الحماية الكافية للفتيات والنساء، سواء المتزوجات أو غير المتزوجات، اللاتي يتعرضن للعنف المنزلي. بالإضافة إلى ذلك، لم تُقدم الوزارة حتى الآن أي مقترحات لحماية العمالة المنزلية، بما في ذلك العمالة المهاجرة أو الوافدة، وخاصة عاملات المنازل اللواتي يتعرضن بشكل مستمر للعنف أو التحرش الجنسي، إلى جانب حرمانهن من حقوق أخرى أساسية.

في ظل القضايا السابقة المتعلقة بتزايد وتيرة العنف ضد المرأة، والتي أدت إلى حالات قتل عديدة، بالإضافة إلى ملف العنف الأسري ضد المرأة والطفل الذي رصده ووثّقه المركز سابقًا، كان من المتوقع توسيع اختصاصات الوزارة أو الدوائر المختصة لتشمل إجراءات مباشرة تمكّنها من توفير الحماية اللازمة للفتيات والنساء، سواء عبر تدابير وقائية لحمايتهن من أي خطر أو ضرر في المستقبل، أو عبر تدابير علاجية لحمايتهن من المشاكل الحالية وعجز القوانين عن توفير الحماية المطلوبة.

كما أثار المركز سابقًا عددًا من النقاط المهمة في هذا السياق، منها إنشاء خط ساخن ولجنة تدخل عاجل لحماية الفتيات، إضافة إلى توفير مراكز رعاية وحماية لضحايا العنف المنزلي. ولا يمكن إغفال التصريح المثير للجدل لوزيرة التنمية الاجتماعية، ليلى النجار، التي ذكرت في إحدى المقابلات مع برنامج “الشباب” في مارس 2022 أن “العنف الأسري كظاهرة اجتماعية غير موجود”.

هذا بالإضافة إلى المادة 44 من قانون الجزاء التي تُجيز لأولياء الأمور استخدام العنف ضد أبنائهم القُصَّر. كما لم تُقدِّم الوزارة ما يسهم في تحسين وضع المرأة أو تعديل القوانين التي تشكل تحديًا لحقوقها، مثل بعض النصوص غير المنصفة في عدد من القوانين، كقانون الجنسية، قانون الأحوال الشخصية، وقانون الجزاء.

المرأة العمانية في قانون الجنسية وغياب المساواة

على الرغم من أن القانون الحالي قد أدخل بعض التعديلات على الأحكام المتعلقة بأبناء المرأة العمانية المتزوجة من أجنبي، وكذلك بالأجنبي زوج العمانية—مثل تقليص سنوات الإقامة المشروعة وزيادة مدة الغياب المسموح بها في العام الواحد—إلا أن غياب المساواة بين المرأة العمانية والرجل العماني لا يزال قائمًا في هذا القانون.

فأبناء الرجل العماني المتزوج من غير عمانية يحصلون على الجنسية بشكل تلقائي عند الولادة، سواء وُلِدوا داخل السلطنة أو خارجها، في حين أن أبناء المرأة العمانية المتزوجة من أجنبي يخضعون لشروط معقدة، ترتبط إما بحصول الأب على الجنسية، مما يسمح لهم بالحصول عليها بالتبعية، أو بكون الأم مطلقة، أرملة، أو متروكة من قبل زوجها.

أما فيما يتعلق بالأجنبي زوج العمانية، فيجب عليه التقدم بطلب للحصول على الجنسية بعد 10 سنوات من الإقامة المشروعة، بينما الأجنبية زوجة العماني يمكنها تقديم الطلب بعد 8 سنوات فقط. بالإضافة إلى ذلك، إذا توفيت زوجته العمانية أو طلقها، فإنه يفقد الحق في التقدم بطلب الجنسية، حتى وإن كان له منها أبناء، مما يعني أنه يُعامل وفقًا لأحكام المادة 17 من القانون.

كذلك، في حالة وفاة الزوج الأجنبي للمرأة العمانية أو طلاقه لها، يجب عليها الانتظار 5 سنوات قبل التقدم بطلب تجنيس أبنائها، بشرط أن يكونوا قُصَّرًا وأن يكونوا قد أقاموا في السلطنة بصورة مشروعة لمدة 5 سنوات، مع اشتراط أن تكون الحضانة للأم. أما في حالة هجر الزوج أو غيابه إلى جهة غير معلومة، فإن فترة الانتظار قبل التقدم بطلب التجنيس تمتد إلى 10 سنوات.

اقرأ أيضا Read More
زر الذهاب إلى الأعلى