
في يوم المرأة العُمانية: قوانين تمييزية وإصلاحات مؤجلة.
خصصت السلطات العُمانية يوم السابع عشر من أكتوبر من كل عام يوماً للمرأة العُمانية، وهو اليوم الذي تحتفل فيه المؤسسات الرسمية والجهات المعنية بما تصفه الرواية الرسمية بأنه إنجازات المرأة العُمانية، وتذكيراً بأبرز مساهماتها في خدمة المجتمع. وبحسب المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، يبلغ عدد سكان سلطنة عُمان أكثر من 5.3 ملايين نسمة، من بينهم أكثر من مليوني امرأة. أما عدد النساء العُمانيات فيبلغ نحو 1,483,057، أي ما نسبته 56.58% من إجمالي السكان العُمانيين.
على الرغم من مصادقة سلطنة عمان على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، لا تزال العديد من النصوص القانونية الوطنية تتضمن أحكامًا تُكرّس التمييز القائم على النوع الاجتماعي وتعكس انحيازًا هيكليًا لصالح الرجل. فعلى سبيل المثال، تنص المادة (15) من النظام الأساسي للدولة على أن “الدولة تكفل المساواة بين المواطنين دون تمييز بسبب الجنس”، إلا أن هذا النص الدستوري لا يجد ترجمة فعلية في القوانين السارية، لا سيما في قانون الأحوال الشخصية وقانون الجزاء، اللذين يتضمنان أحكامًا تنتقص من حقوق المرأة بشكل واضح.
في هذا التقرير، يناقش المركز الأوضاع الاجتماعية والقانونية للمرأة العُمانية، بالإضافة إلى أوجه القصور التشريعي المتمثلة في عدم تحقيق المشرّع العُماني للمساواة الكاملة بينها وبين الرجل في عدد من المجالات، مثل قانون الأحوال الشخصية وقانون الجنسية.
قانون الجنسية:
على الرغم من بعض الإصلاحات التشريعية الأخيرة التي استهدفت معالجة الجوانب التمييزية في قانون الجنسية العُماني، لا تزال أوجه عدم المساواة القائمة على النوع الاجتماعي راسخة في الإطار القانوني المنظم لاكتساب الجنسية. فقد أدخلت التعديلات الأخيرة تحسينات محدودة تتعلق بأبناء النساء العُمانيات المتزوجات من غير عُمانيين، وكذلك بأزواجهن الأجانب، حيث تم تقليص الحد الأدنى المطلوب لفترة الإقامة القانونية في عُمان، والتخفيف من القيود المفروضة على فترات الغياب السنوية الطويلة خارج البلاد. ومع ذلك، فإن هذه التعديلات لا ترقى إلى مستوى تحقيق المساواة الكاملة، وتستمر في عكس بنية قانونية أبوية الجذور.
وبموجب قانون الجنسية العُماني الحالي، يُمنح الأطفال المولودون لآباء عُمانيين وأمهات أجنبيات الجنسية العُمانية تلقائياً عند الولادة، سواء وُلدوا داخل البلاد أو خارجها. إلا أن هذا الامتياز لا يُمنح لأبناء النساء العُمانيات المتزوجات من غير عُمانيين، إذ يُلزم هؤلاء الأطفال باستيفاء مجموعة من الشروط المقيّدة للنظر في منحهم الجنسية. وتشمل هذه الحالات أن تكون الأم العُمانية مطلقة من زوجها الأجنبي، أو أرملة، أو متروكة من قبله. وفي بعض الحالات، يُشترط أيضاً حصول الأب الأجنبي على الجنسية العُمانية قبل النظر في منح الأبناء حق التجنّس.
ويظهر التفاوت أيضاً في الأحكام المتعلقة بتجنيس الأزواج الأجانب. إذ لا يجوز للزوج الأجنبي المتزوج من امرأة عُمانية التقدّم بطلب الحصول على الجنسية العُمانية إلا بعد إكمال عشر سنوات متتالية من الإقامة القانونية في البلاد. في المقابل، تصبح الزوجة الأجنبية المتزوجة من رجل عُماني مؤهلة للتقدّم بطلب الجنسية بعد ثماني سنوات فقط من الإقامة. وعلاوة على ذلك، إذا تُوفيت المرأة العُمانية أو تطلقت من زوجها الأجنبي قبل إتمام فترة السنوات العشر، يفقد الزوج حقه في التقدّم بطلب الجنسية بموجب المادة (17) من قانون الجنسية العُماني، بغض النظر عن مدة الزواج أو الروابط الأسرية القائمة.
أما فيما يخص أبناء النساء العُمانيات، فإن إجراءات الحصول على الجنسية تظل مثقلة بالقيود القانونية والإدارية. إذ يتعيّن على الأم العُمانية الانتظار مدة تتراوح بين خمس وعشر سنوات — بحسب ظروفها الشخصية — قبل أن يُسمح لها بتقديم طلب لتجنيس أبنائها، شريطة أن تكون حاضنةً قانونية لهم، وأن تثبت أنهم أقاموا في عُمان إقامة قانونية ومتواصلة خلال المدة المطلوبة.
تُكرّس هذه الأحكام استمرار التمييز القائم على النوع الاجتماعي من خلال تفضيل النسب الأبوي ومنح الامتيازات القانونية لحق الأب في الجنسية، بما يقوّض مبدأ المساواة المنصوص عليه في المعايير الدولية لحقوق الإنسان التي تُعد سلطنة عُمان طرفاً فيها.
تقليص دور الجمعيات النسائية والمؤسسات المعنية بالمرأة:
ففي3 مارس 2024، صدر المرسوم السلطاني رقم 14/2024، الذي يحدد اختصاصات وزارة التنمية الاجتماعية. ويود المركز أن يُعرب عن قلقه إزاء المرسوم الجديد، الذي خفّض عدد اختصاصات الوزارة من 18 اختصاصًا وفقًا للمرسوم السابق رقم 32/2003، إلى 14 اختصاصًا فقط. ويُعد تجاهل قضايا المرأة في الاختصاصات الجديدة مصدر قلق بالغ، حيث تم حذف المادتين اللتين كانتا تنصّان في المرسوم السابق على الاهتمام بشؤون المرأة والعمل على تعزيز قدراتها.
كما يُلاحظ أن الوزارة لم تتمكن حتى الآن من توفير الحماية الكافية للفتيات والنساء، سواء المتزوجات أو غير المتزوجات، اللاتي يتعرضن للعنف المنزلي. بالإضافة إلى ذلك، لم تُقدم الوزارة حتى الآن أي مقترحات لحماية العمالة المنزلية، بما في ذلك العمالة المهاجرة أو الوافدة، وخاصة عاملات المنازل اللواتي يتعرضن بشكل مستمر للعنف أو التحرش الجنسي، إلى جانب حرمانهن من حقوق أخرى أساسية.
في ظل القضايا السابقة المتعلقة بتزايد وتيرة العنف ضد المرأة، والتي أدت إلى حالات قتل عديدة، بالإضافة إلى ملف العنف الأسري ضد المرأة والطفل الذي رصده ووثّقه المركز سابقًا، كان من المتوقع توسيع اختصاصات الوزارة أو الدوائر المختصة لتشمل إجراءات مباشرة تمكّنها من توفير الحماية اللازمة للفتيات والنساء، سواء عبر تدابير وقائية لحمايتهن من أي خطر أو ضرر في المستقبل، أو عبر تدابير علاجية لحمايتهن من المشاكل الحالية وعجز القوانين عن توفير الحماية المطلوبة.
كما أثار المركز سابقًا عددًا من النقاط المهمة في هذا السياق، منها إنشاء خط ساخن ولجنة تدخل عاجل لحماية الفتيات، إضافة إلى توفير مراكز رعاية وحماية لضحايا العنف المنزلي. ولا يمكن إغفال التصريح المثير للجدل لوزيرة التنمية الاجتماعية، ليلى النجار، التي ذكرت في إحدى المقابلات مع برنامج “الشباب” في مارس 2022 أن “العنف الأسري كظاهرة اجتماعية غير موجود”.
هذا بالإضافة إلى المادة 44 من قانون الجزاء التي تُجيز لأولياء الأمور استخدام العنف ضد أبنائهم القُصَّر. كما لم تُقدِّم الوزارة ما يسهم في تحسين وضع المرأة أو تعديل القوانين التي تشكل تحديًا لحقوقها، مثل بعض النصوص غير المنصفة في عدد من القوانين، كقانون الجنسية، قانون الأحوال الشخصية، وقانون الجزاء.
المرأة في القضاء:
تُقدّم عُمان نفسها باستمرار كإحدى دول الشرق الأوسط المتقدمة في تعزيز حقوق المرأة، معتبرةً إنجازاتها متميزة عن نظيراتها في دول الخليج المجاورة والعالم العربي بشكل عام. فقد أحرزت البلاد تقدماً ملحوظاً في تعزيز وصول المرأة إلى التعليم، والفرص المهنية، والمشاركة السياسية، مدعومة بإصلاحات سياسية تهدف إلى تعزيز المساواة بين الجنسين. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الإنجازات، ما زالت المرأة العُمانية تواجه العديد من القيود التي تحدّ من حرياتها وفرصها.
تنبع هذه القيود من تفاعل متعدد الأبعاد بين الأطر القانونية والدينية والاجتماعية. وتظهر أشكال التمييز ضد المرأة بوضوح في قوانين مثل قانون الجنسية وقانون الأحوال الشخصية.
ويُعد غياب النساء عن السلك القضائي مثالاً بارزاً على هذه القيود؛ فعلى الرغم من وجود عدد كبير من النساء في مناصب قانونية عليا، مثل الادعاء العام ورئاسة النيابة العامة، لم يتم حتى الآن تعيين أي امرأة في منصب قضائي. يعكس هذا الإقصاء الحواجز الهيكلية والثقافية التي تحدّ من تمثيل النساء في السلك القضائي، مما يبرز تفاوتاً بين كفاءات المرأة وقدرتها على الوصول إلى المناصب القضائية. وتعكس هذه القيود التحديات الأوسع نطاقاً ضمن الأطر القانونية والمؤسسية في عُمان، والتي تعيق تقدم المرأة إلى أعلى مستويات السلطة القانونية.
من الناحية القانونية، فإن القوانين الوطنية، في جوهرها، تمنع أي تمييز قائم على أساس الجنس سواء في الحقوق أو الواجبات أو حق المشاركة في الشؤون العامة. ينص النظام الأساسي للدولة في المادة (15) على المساواة في تولّي الوظائف العامة، كما يحظر في المادة (21) أي تمييز قائم على أساس الجنس. إضافة إلى ذلك، لا يحصر قانون السلطة القضائية في مادته (21) وظيفة القضاء على جنس معين. كما ينص قانون الخدمة المدنية على تمتع المرأة بنفس فرص التوظيف كالرجل، والمساواة في الأجور والمزايا الوظيفية. ومع ذلك، يظل دور المرأة في السلطة القضائية محصوراً في وظائف مثل المحاماة أو الادعاء العام أو الأعمال الإدارية الأخرى، دون أن تتولى أي منصب قضائي من تلك المذكورة في المادة (20) من قانون السلطة القضائية.
صادقت عُمان على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) في عام 2005، لكنها أبدت تحفظات على بعض المواد التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، مما يشير إلى أن تطبيق الاتفاقية في البلاد ليس شاملاً. أما بالنسبة لتمثيل المرأة في المناصب القانونية والقيادية، فلا تزال نسبته محدودة؛ حيث تشكل المرأة ما نسبته 13% من مجلس الوزراء، مع وجود 3 وزيرات من بين 23 وزيراً. كما تشكل المرأة ما نسبته أكثر من 20% بقليل في مجلس الدولة “المُعيّن”، حيث يبلغ عدد العضوات 18 من أصل 86 عضواً.
الزواج وقانون الأحوال الشخصية:
تحدد المادة 7 من قانون الأحوال الشخصية سن الزواج بـ18 عامًا، إلا أن المادة 10 من القانون نفسه تُجيز للقاضي تزويج القاصرات إذا كان ذلك في مصلحتهن، دون مراعاة سن الفتاة أو حالتها النفسية. بالإضافة إلى ذلك، تُحرّم الفقرة 8 من المادة 35 من القانون نفسه على المرأة العُمانية المسلمة الزواج من غير المسلم، مما يشكل تحديًا لحقوق المرأة ومساواتها بالرجل في عُمان. إذ أن الرجل العُماني الذي يرغب في الزواج من غير عُمانية لا يواجه تحدي دين الزوجة، حيث يُشترط فقط أن تكون الزوجة من “أهل الكتاب”، كما تنص الفقرة 7 من المادة نفسها.
كما يمنح القانون الرجل الحق في الزواج من أربع نساء في نفس الوقت، إلا أنه يُلزم المرأة بواجبات تجاه زوجها، مثل العناية به وتربية أبنائه ورعاية شؤون البيت، كما تنص عليه المادة 38. بالإضافة إلى ذلك، فإن المادة 11 من القانون لا تعترف بوليّ للمرأة إلا إذا كان ذكرًا ومسلماً، إذ لا يمكن للمرأة أن تكون وليًا لنفسها أو لامرأة أخرى، بغض النظر عن مستواها التعليمي أو العقلي.
إضافة إلى ذلك، يُطبَّق مبدأ الكفاءة في الزواج على المرأة فقط، وفقًا للمادة 20 من القانون. ويُقصد بالكفاءة هنا التوافق أو التساوي الطبقي والاجتماعي، مما يُشكّل عقبة أمام المرأة، إذ إن ولي الأمر، الذي يكون عادةً رجلًا، له الحق في رفض الزواج بحجة عدم توفر الكفاءة.
لا يزال المُشرِّع في عُمان يُماطل في الاعتراف بالاغتصاب الزوجي كجريمة. ورغم قضايا العنف الأسري المرتبطة بسوء معاملة الزوج للزوجة، إلا أن القوانين المحلية لا تتضمن تعريفًا للاغتصاب الزوجي ولا تنص على عقوبة، إذ ينص قانون الأحوال الشخصية على أن من واجبات المرأة الامتثال لرغبات زوجها. وتنص الفقرة 1 من المادة 36 على حق كل من الزوجين في الاستمتاع بالطرف الآخر، دون ذكر واضح لحالات الرفض.
كما أن القانون لا يمنح المرأة حقوقًا مساوية للرجل فيما يتعلق بالطلاق؛ إذ تُعطي المادة 82 الرجل حق التطليق دون قيد، بينما يُشترط أن يكون الطلاق من قِبَل المرأة فقط إذا منحها الزوج هذا الحق أو ملكها أمر نفسها. وهذه النتيجة هي ذاتها التي أشار إليها تقرير الفجوة بين الجنسين.
