loader image

تمكين المرأة في المجتمع.

يشكل الحديث عن أوضاع المرأة في المجتمعات المحافظة مدخلًا ضروريًا لفهم الفجوة القائمة بين التشريعات والممارسات من جهة، وبين مبادئ المساواة والعدالة من جهة أخرى. ففي هذه السياقات الاجتماعية، تظل المرأة محكومة بتقاليد راسخة وبنى أبوية تعيق وصولها إلى الحقوق الكاملة، مقارنةً بالمجتمعات التي تبنّت إصلاحات قانونية ضمنت للمرأة فرصًا متكافئة ومعاملة مساوية للرجل.

تُترجم هذه التحديات إلى مظاهر متعدّدة؛ منها التمييز في القوانين، لا سيّما في قضايا الأحوال الشخصية والميراث والجنسية. فعلى سبيل المثال، في عدد من الدول العربية، لا تملك المرأة الحق في منح جنسيتها لأبنائها إذا كانت متزوجة من أجنبي، وهو ما يُخلّ بمبدأ المساواة أمام القانون ويؤثر سلبًا على الاستقرار القانوني للأطفال.

من جانب آخر، تواجه النساء ضعفًا في فرص العمل والتوظيف، سواء نتيجة لغياب السياسات الداعمة لإدماج المرأة في سوق العمل، أو بسبب القيود الاجتماعية والثقافية التي تفرض على المرأة أدوارًا محددة في المجال الخاص. أما في ما يتعلق بالحماية من العنف الأسري، فإن العديد من هذه المجتمعات لا تزال تفتقر إلى تشريعات فعالة، أو تطبّق قوانين يغلب عليها الطابع التصالحي الذي يُفضّل حماية “كيان الأسرة” على محاسبة المعتدي.

وعلى الصعيد الاجتماعي، تُجبر العديد من النساء على الخضوع لسلطة الأسرة أو ولي الأمر، مما يقيد حريتهن في اتخاذ قرارات شخصية ومصيرية، مثل اختيار شريك الحياة أو متابعة التعليم العالي أو السفر أو الانخراط في سوق العمل. ففي بعض الأنظمة، لا تزال المرأة بحاجة إلى إذن مسبق من ولي أمرها للقيام بهذه الأمور، وهو ما ينتقص من أهليتها القانونية ويُعيق استقلالها الذاتي.

لذلك، فإن تجاوز هذه الإشكاليات يتطلب إصلاحًا قانونيًا شاملًا ومراجعة للخطابات الثقافية السائدة، إلى جانب تعزيز سياسات التعليم والتوعية التي تكرّس قيم المساواة وتمكّن المرأة من ممارسة حقوقها كاملة، بوصفها فاعلًا أساسيًا في عملية التنمية.

أسوأ النتائج التي تتعرض لها المرأة إلى غياب الوعي بأهمية تمكينها، وكذلك ضعف القوانين الوطنية أو المحلية التي تعزز ذلك وتوفر الحماية الكافية لممارسة حياتها دون قيود، هو العنف الذي يصل في حالات كثيرة إلى القتل. كذلك فقدان الفرص التي قد تكون متاجة لها في الحياة العملية. لذلك، يأتي تمكين المرأة كوسيلة من أجل زيادة الوعي بأهمية دور المرأة في المجتمع، ومدى فاعلية هذا الدور كلما توفرت البيئة الآمنة والمناسبة قانونيا واجتماعيا واقتصاديا. 

تمكين المرأة:

تمكين المرأة يُفهم باعتباره عملية اجتماعية تُمكن النساء من إدراك علاقات القوة غير المتكافئة القائمة على النوع الاجتماعى، وتزويدهن بالأدوات والفرص التى تسمح لهن بتحدّى أنماط التمييز السائدة داخل الأسرة، وفى سوق العمل، وعلى مستوى المجتمع ككل. ووفقًا لتعريف معتمد فى أدبيات النوع الاجتماعى، فإن التمكين يُعرّف بأنه “عملية تكتسب فيها النساء الوعى بشأن علاقات السلطة غير المتكافئة، ويكتسبن الصوت والقدرة للتصدى لعدم المساواة المستشرية فى محيطهن الاجتماعى”.

من خلال التجربة الميدانية للمركز فى العمل على قضايا المرأة خلال العقد الماضى، تَبيَّن أن التعامل الجاد مع قضايا تمكين المرأة يتطلب إدراكًا عميقًا لاختلاف السياقات الاجتماعية والدينية والثقافية والعرقية بين المجتمعات. إن الاعتراف بهذا التنوع لا يجب أن يُفهم بوصفه تبريرًا لتأجيل حقوق المرأة أو انتقاصها، بل كخطوة ضرورية نحو تبنّى استراتيجيات أكثر فاعلية واستدامة.

على سبيل المثال، فى مجتمعات يغلب عليها الطابع الدينى أو القبلى، قد يُنظر إلى خطاب تمكين المرأة بوصفه تهديدًا للقيم الثقافية أو محاولة لفرض نماذج خارجية. فى هذا السياق، يقتضى التمكين الحقيقى بناء خطاب إصلاحى متوازن يُراعى الخصوصيات المحلية دون التخلى عن المبادئ العالمية لحقوق الإنسان. 

على الرغم من مصادقة سلطنة عمان على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو)، لا تزال العديد من النصوص القانونية الوطنية تتضمن أحكامًا تُكرّس التمييز القائم على النوع الاجتماعي وتعكس انحيازًا هيكليًا لصالح الرجل. فعلى سبيل المثال، تنص المادة (15) من النظام الأساسي للدولة على أن “الدولة تكفل المساواة بين المواطنين دون تمييز بسبب الجنس”، إلا أن هذا النص الدستوري لا يجد ترجمة فعلية في القوانين السارية، لا سيما في قانون الأحوال الشخصية وقانون الجزاء، اللذين يتضمنان أحكامًا تنتقص من حقوق المرأة بشكل واضح.

فعلى سبيل المثال، يشترط قانون الأحوال الشخصية موافقة وليّ الأمر لزواج المرأة، ويمنح الرجل سلطات أوسع في مسائل الطلاق والحضانة، ما يضعف من استقلالية المرأة القانونية. أما على صعيد قانون الجزاء، فلا تزال الحماية القانونية من العنف الأسري محدودة، ولا يوجد تجريم صريح للاغتصاب الزوجي، وهو ما يُعد إخفاقًا واضحًا في توفير الحماية الكافية لكرامة وسلامة المرأة الجسدية والنفسية.

وتنعكس هذه الثغرات القانونية في موقع عمان المتأخر في المؤشرات العالمية لقياس الفجوة بين الجنسين. فوفقًا لتقرير الفجوة العالمية بين الجنسين الصادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2023، جاءت عمان في المرتبة 134 من أصل 148 دولة، محققةً معدلًا لا يتجاوز 0.637، وهو ما يدل على استمرار الفجوة الواسعة في مجالات المشاركة الاقتصادية، والتعليم، والصحة، والتمثيل السياسي للمرأة.

وفي ضوء هذا الواقع القانوني والاجتماعي والاقتصادي، يقدّم المركز خطة استراتيجية تهدف إلى تعزيز الوعي بأهمية تمكين المرأة، وتوسيع مشاركتها الفاعلة في مختلف مجالات الحياة. وترتكز هذه الخطة على مبدأ الشمولية والتشاركية، إذ لا بد من إشراك نساء من خلفيات اجتماعية، وثقافية، واقتصادية، وتعليمية متنوعة في إعداد وتنفيذ هذه الاستراتيجية. إن التنوع في الخبرات والسياقات ضروري لضمان أن تأخذ السياسات المقترحة بعين الاعتبار التحديات المتعددة التي تواجهها النساء في مختلف البيئات.

قانونيا:

  • مراجعة كافة القوانين المحلية، وإلغاء أي تشريعات تمثل أو قد تمثل تمييزا ضد المرأة، سواء فيما يتعلق بوضعها الاجتماعي في حياتها الأسرية، أو في حياتها العملية كذلك.
  • استحداث القوانين التي تعزز من حماية المرأة من العنف الأسري، وتوفير المراكز حماية للمعنفات التي تكفل وتضمن إبقاء الضحايا بعيدا عن أي خطر من قبل ذويهن، مع وضع القوانين المشددة التي تعاقب أيّة أفعال تمثل عنفا ضد المرأة. 
  • تحسين القوانين التي تسهل من نقل جنسية المرأة العمانية المتزوجة من غير عماني إلى أبنائها دون الحاجة إلى الانتظار لسنوات طويلة أو وضع شروط تعجيزية متعلقة بحالة المرأة الاجتماعية. 

اجتماعيا:

  • التخلص من العوائق الاجتماعية أو الأعراف التقييدية التي تحد من دور المرأة خارج المنزل. والعمل على وضع خطة تثقيفية للمجتمع بكافة شرائحه توضح مدى خطورة هذه العوائق ونتائجها السلبية على دور المرأة وحالتها النفسية والاجتماعية. 
  • إشراك الرجل في عملية التوعية والتثقيف بما يُتيح انتشار آمن وأوسع. 
  • توظيف التكنولوجيا في نشر الوعي الاجتماعي بما يتيح وصول أسرع للمعلومة.

نفسيا وصحيا:

  • توفير مساحة آمنة للمرأة من أجل الحديث عن مشاكلها وتأثير التحديات التي تواجهها في المجتمع على صحتها النفسية والجسدية. 
  • توفير المساحة الآمنة وكذلك الأدوات والقنوات الفاعلة التي تمكن المرأة من المطالبة  بحقوقهن والدفاع عنها. 
  • توفير برنامج لــ الاستشارات النفسية والصحية المجانية على يد متخصصين. 

سياسيا:

  • تفعيل مشاركة المرأة في المجتمع عبر توسيع قاعدة التمثيل البرلماني بنظام يتيح لها الوصول للمجالس التمثيلية دون الحاجة إلى خوض نفس الخطوات أو القواعد المطبقة، وذلك في حالة عدم ثقة المجتمع في المرأة بسبب الأعراف أو بسبب الطابع الذكوري. 
  • العمل على تعيين المرأة في المناصب الرسمية بطريقة مساوية للرجل، وضمان نسبة التساوي في التمثيل.
  • وجود اللجان الخاصة بالمرأة في المؤسسات الأهلية أو الرسمية، والتي لا بد أن تكون تتضمن عضويتها شريحة مختلفة من نساء المجتمع. 

ضرورة تمكين المرأة مهم وحيوي لإنشاء عالم أكثر إنصافًا وازدهارًا واستدامة. وذلك لمساهمته في ضمان وصول المرأة المتساوي إلى التعليم والتوظيف والمناصب القيادية، وهو ما يُثري المجتمعات بمجموعة أوسع من وجهات النظر والمهارات والمواهب. كما ينتج عن ذلك تعزيز النمو الاقتصادي، وتحسين المعدلات الصحية العامة والفردية، وتحقيق حوكمة أكثر فعالية. ولكن من المهم كذلك التشديد على نقطة مهمة وهي أن التمكين هو وسيلة فعالة لــكسر دوائر الفقر، والحد من العنف القائم على النوع الاجتماعي، وتحقيق العدالة الاجتماعية.بالتالي، من الواضح وكذلك من المؤكد أن فكرة تمكين المرأة لا يمكن حصرها فقط حول الإنصاف أو المساواة؛ بل هو استراتيجية حاسمة لتقدم البشرية وإقامة مجتمع متوازن ومنسجم للجميع.

اقرأ أيضا Read More
زر الذهاب إلى الأعلى