المرأة في القضاء – عمان

تُقدّم عُمان نفسها باستمرار كأحد دول الشرق الأوسط المتقدمة في تعزيز حقوق المرأة، معتبرة إنجازاتها متميزة عن نظيراتها في دول الخليج المجاورة والعالم العربي بوجه عام. فقد أحرزت البلاد تقدماً ملحوظاً في تعزيز وصول المرأة إلى التعليم، والفرص المهنية، والمشاركة السياسية، مدعومة بإصلاحات سياسية تهدف إلى تحسين المساواة بين الجنسين. ومع ذلك، وعلى الرغم من هذه الإنجازات، ما زالت المرأة العُمانية تواجه العديد من القيود التي تحدّ من حرياتها وفرصها.
تنبع هذه القيود من تفاعل متعدد الأبعاد بين الأطر القانونية والدينية والاجتماعية. وتظهر أشكال التمييز ضد المرأة بوضوح ضمن قوانين مثل قانون الجنسية وقانون الأحوال الشخصية.
ويُعد غياب النساء عن السلك القضائي مثالاً بارزاً على هذه القيود؛ فعلى الرغم من وجود عدد كبير من النساء في مناصب قانونية عليا، مثل الادعاء العام ورئاسة النيابة العامة، لم يتم حتى الآن تعيين أي امرأة في منصب قضائي. يعكس هذا الإقصاء الحواجز الهيكلية والثقافية التي تحد من تمثيل النساء في السلك القضائي، مما يبرز تفاوتاً بين كفاءات المرأة وقدرتها على الوصول إلى المناصب القضائية. وتعكس هذه القيود التحديات الأوسع نطاقاً داخل الأطر القانونية والمؤسسية في عُمان، والتي تعوق تقدم المرأة إلى أعلى مستويات السلطة القانونية.
من الناحية القانونية، فإن القوانين الوطنية في جوهرها، تمنع أي تمييز قائم على أساس الجنس سواء في الحقوق أو الواجبات أو حق المشاركة في الشؤون العامة. النظام الأساسي للدولة في مادته الــ 15، نصّ على المساواة في تولّي الوظائف العامّة، كما حظر في مادته الــ 21 أي تمييز قائم على أساس الجنس. إضافة إلى ذلك، فإن قانون السلطة القضائية في مادته الــ 21 لم يحصر أو يذكر أن وظيفة القضاء محصورة على جنس معين. قانون الخدمة المدنية كذلك نصّ على تمتع المرأة بنفس فرص التوظيف مع الرجل، والمساواة في الأجور والمزايا الوظيفية. مع الذكر، أن دور المرأة في السلطة القضائية ينحصر في أعمال مثل المحاماة أو الإدعاء العام أو حتى الأعمال الإدارية الأخرى، ولكن لا يوجد أي منصب تشغله امرأة في أي من الترتيبات الوظيفية المذكورة في المادة 20 من قانون السلطة القضائية.
صادقت عُمان على اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (سيداو) في عام 2005، لكنها أبدت تحفظات على بعض المواد التي تتعارض مع الشريعة الإسلامية، مما يشير إلى أن تطبيق الاتفاقية في البلاد ليس شاملاً. أما بالنسبة لتمثيل المرأة في المناصب القانونية والقيادية، فتظل نسبته محدودة؛ حيث تشكل المرأة ما نسبته 13% من مجلس الوزراء، 3 وزيرات من بين 23 وزيرا. كما تشكل ما نسبته أكثر من 20% بقليل في مجلس الدولة “المُعيّن”، بعدد لا يتجاوز 18 عضوة من بين 86.
لكن، لنلقِ نظرة على عدد من العوائق الحقيقية التي تمنع المرأة من الوصول لمنصب القضاء حتى اليوم:
– سياسيا، لا تزال المرأة مجرد ديكور للواجهة السياسية، دخولها المعترك السياسي وتقلدها المناصب يعتمدان على اتجاه المرحلة التي تريد السلطة أن تستغل المرأة خلالها من أجل تلميع صورة الحكومة خارجيا. نسبة وجود المرأة في مجلسي الوزراء والدولة توضح حقيقة نظرة الحكومة للمرأة!
– دينيا، ما زال الأمر يتلبسه الغموض، وذلك لوجود حديث مروي عن البخاري يقول: “لن يفلح قوم ولَّوا أمرهم امرأة“. إلى جانب تحريض العديد من كبار مشايخ الدين على المرأة بالقول بعدم جواز قيامها ببعض الأعمال، خصوصاً التي فيها اختلاط بالرجل.
– فسيولوجيا، أوضحت دراسات لباحثين عرب أن التغيرات الهرمونية في جسد المرأة عائق أساسي يمنعها من تولي منصب القضاء لما يمثله ذلك من تأثير في حالتها المزاجية التي ينجم عنها تأثير في الحكم.
– اجتماعيا، ما زال عُرف “العيب” معمولاً به بقوة، حيث إن المجتمع العماني يرى القضاء عملاً من أعمال الرجال وليس النساء، وأن المرأة مكانها المنزل.
يُعتبر وصول المرأة إلى مناصب قضائية خطوة فعّالة نحو تجسيد المساواة المهنية بين الجنسين في المجال القانوني، ويُعد كذلك خطوة محورية في تعزيز الثقة المجتمعية بمكانة المرأة في الأدوار القيادية. تعيين المرأة كقاضية لا يقتصر فقط على تعزيز المساواة، بل يمثل وسيلة لتطوير النظام القانوني من خلال زوايا نظر جديدة ومتنوعة، قد تساهم في إثراء الاجتهادات القضائية المتعلقة بحقوق المرأة، وتدعم معالجة القضايا التي تؤثر على المرأة بشكل مباشر، وبما يتماشى مع مبادئ العدالة والمسؤولية.
إن تردد المُشرع العُماني في تعيين المرأة قاضية أو انضمامها إلى السلك القضائي يثير تساؤلات حول دوافع هذا التردد. فقد يكون الخوف من ردود فعل القيادات الدينية التي قد ترى في هذه الخطوة تناقضاً مع بعض التفسيرات التقليدية للشريعة الإسلامية، أحد العوامل التي تحول دون إقرار مثل هذه التعيينات. وفي هذا السياق، يلعب العامل الديني دوراً مؤثراً في رسم الحدود التشريعية، ويؤثر بشكل كبير على عملية صنع القرار بما يخص قضايا تمكين المرأة.
من جهة أخرى، قد تكون هذه المسألة جزءاً من سياسة التدرج في تمكين المرأة، حيث يرى المُشرّع أن إدماج المرأة في القضاء ينبغي أن يتم بصورة تدريجية، ليتوافق مع التغيرات الاجتماعية والثقافية التي تحدث بوتيرة بطيئة نسبياً. ويمثل هذا النهج التدريجي سبيلاً محتملاً لتحقيق التوازن بين تعزيز حقوق المرأة وبين التكيّف مع السياقات الدينية والاجتماعية المحافظة التي تطبع المجتمع العُماني.