مبادئ التحقيق والاعتقال وحقوق الإنسان في عمان
الموازنة بين القانون وحقوق الإنسان في عمان

حقوق الإنسان هي حقوق أساسية متأصلة في كل إنسان، بغض النظر عن العرق أو الجنس أو الجنسية أو الدين أو أي امر آخر. جميع هذه الحقوق أساسية ليعيش أي فرد بكرامة، تحددها وتحميها القوانين والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان. الإعلان العالمي لحقوق الإنسان حدد العديد من هذه الحقوق ومنها الحقوق التي يجب الا يتم المساس بها اثناء عملية التحقيق واعتقال الأفراد المشتبه في ارتكاب الجرائم، في هذا التقرير يناقش المركز مبادئ التحقيق والاعتقال فيما يتعلق بحقوق الإنسان في عمان.
المبدأ الأول الذي يجب اتباعه هو افتراض البراءة. ينص هذا المبدأ على أن كل شخص بريء حتى تثبت إدانته في محكمة قانونية. وهذا يعني أنه لا يمكن معاملة المشتبه بهم على أنهم مذنبون قبل إدانتهم بارتكاب جريمة. افتراض البراءة هو حق أساسي من حقوق الإنسان منصوص عليه في المادة 11 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
في عمان قامت السلطات والامن الداخلي على وجه الخصوص بتعريض الأشخاص المشتبه بهم للحبس والتعذيب اللفظي والنفسي خلال التحقيق قبل توجيه أي تهم وقبل اثبات وقوع جريمة.إلى جانب تعرض الكثير من النشطاء للاعتقال التعسفي، وثّق المركز حالات عديدة لنشطاء في الحقوق والسياسة وحتى الرأي العام، تعرضوا للاختطاف من الأماكن العامة وللإخفاء في أماكن مجهولة فترات تتجاوز الأسابيع والأشهر في بعض الحالات. كما حدث، على سبيل المثال لا الحصر، خلال مظاهرات مايو ٢٠٢١. شهدت المظاهرات منذ اليوم الأول اعتقالات واسعة في صحار، مع استخدام القنابل المسيلة للدموع لتفريق المتظاهرين في اليوم التالي.
المبدأ الثاني هو الحق في محاكمة عادلة. ينص هذا المبدأ على أن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة ونزيهة. وهذا يعني أنه يجب منح المشتبه بهم حق الوصول إلى مستشار قانوني، ولهم الحق في التزام الصمت، والسماح لهم بتقديم الأدلة والشهود في دفاعهم. الحق في المحاكمة العادلة منصوص عليه أيضًا في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 10 التي تنص على أن “لكلِّ إنسان، على قدم المساواة التامة مع الآخرين، الحقُّ في أن تَنظر قضيتَه محكمةٌ مستقلَّةٌ ومحايدةٌ، نظرًا مُنصفًا وعلنيًّا، للفصل في حقوقه والتزاماته وفى أيَّة تهمة جزائية تُوجَّه إليه.” و في المادة 7، التي تنص على أن “الناسُ جميعًا سواءٌ أمام القانون، وهم يتساوون في حقِّ التمتُّع بحماية القانون دونما تمييز”.
النظام القضائي في عمان ليس مستقلاً، حيث يجوز للسلطان أن يعمل كمحكمة استئناف نهائي ويمارس سلطته في العفو بصفته رئيس مجلس القضاء الأعلى، وهو أعلى هيئة قانونية في عمان، لذا فإن السلطان يتمتع بصلاحية مراجعة جميع القرارات القضائية. وصلت المركز العديد من الشكاوى من مواطنين تعرضوا للظلم في محاكمات قضاة غير محايدين، وخاصة في القضايا السياسية او القضايا التي اثارت الرأي العام، مثلما حدث مؤخرا مع رائد الاعمال هاني السرحاني، وقبل ذلك مع سلطان أمبوسعيدي والصحفي المختار الهنائي والعديد من معتقلي الرأي والمعتقلين من المشاركين في مظاهرات مايو ٢٠٢١ و٢٠١١.
بل ان القانون يجرم أي انتقاد للسلطان او احد افراد أسرته، حيث صدر في ٢٠ أكتوبر ٢٠٢٢ مرسوم سلطاني رقم ٦٨ / ٢٠٢٢ المادة (٩٧): يعاقب بالسجن مدة لا تقل عن (٣) ثلاث سنوات، ولا تزيد على (٧) سبع سنوات، كل من ارتكب علانية أو بالنشر طعنا في حقوق السلطان، وسلطته، أو عابه في ذاته. كما يعاقب بالعقوبة ذاتها كل من ارتكب علانية أو بالنشر طعنا في زوجة السلطان وولي عهده وأولاده، أو عابهم في ذاتهم.
وقد استخدمت هذه المادة ضد د. أحمد قطن عقب اعتقاله في ٤ أغسطس ٢٠٢٢ أثر تغريدات له على تويتر مطالبًا في إحداها بصلاحيات أوسع لمجلس الشورى.
كما ان ضمان إقامة محاكمات علنية يعد إحدى ضمانات المحاكمة العادلة، قانونًا الحق في محاكمة علنية مكفول للمواطنين والمقيمين في عمان، إلا إذا قررت المحكمة عقد جلسة على انفراد لمصلحة النظام العام أو الآداب العامة؛ كما تحتفظ الحكومة بالحق في إغلاق “القضايا الحساسة” عن عامة الناس، وهو امر تستغله السلطات للتهرب من المحاسبة المجتمعية.
المبدأ الثالث هو حظر التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة. ينص هذا المبدأ على أنه لا يجوز إخضاع أي شخص للتعذيب أو أي معاملة أو عقوبة قاسية أو لا إنسانية أو مهينة. وهذا يعني أن المحققين والضباط لا يمكنهم استخدام أي شكل من أشكال التعذيب الجسدي أو النفسي أو سوء المعاملة لانتزاع الاعترافات أو الحصول على معلومات من المشتبه بهم. كما أن حظر التعذيب منصوص عليه في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 5 ، التي تنص على أنه ” لا يجوز إخضاعُ أحد للتعذيب ولا للمعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو الحاطَّة بالكرام”.
للأسف التعذيب لا يزال احدى الطرق المستخدمة ضد الأشخاص الذي يستخدمون حقهم في التعبير في انتقاد الحكومة. تستخدم السلطات التعذيب الأبيض، التعذيب بالأصوات المتكررة أو الموسيقى الصاخبة، الحرمان من النوم، التعذيب بالإضاءة القوية، تعذيب الغرف الباردة/الساخنة، او الصعق الكهربائي.
وقد حدث ذلك للعديد من المتهمين في القضايا السياسية والأمنية. على سبيل المثال، متهمين من قبيلة الشحي الذين انتقدوا سياسات الحكومة في محافظة مسندم تعرضوا للتعذيب الجسدي من اجل انتزاع الاعترافات منهم. وفي ٢٠٢٠ المواطن سلطان أمبوسعيدي تحدث علنا عن تعرضه للتعذيب من أفراد يتبعون جهاز الأمن الداخلي، في عام 2017.
المبدأ الخامس هو الحق في الخصوصية. ينص هذا المبدأ على أن لكل شخص الحق في الخصوصية ، والذي يتضمن الحق في عدم التعرض للتدخل التعسفي أو غير القانوني في خصوصيته أو أسرته أو منزله أو مراسلاته. هذا يعني أن المحققين لا يمكنهم تفتيش منزل المشتبه فيه أو الاستيلاء على ممتلكاتهم دون أمر قضائي أو أمر من المحكمة. الحق في الخصوصية مكرس أيضًا في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في المادة 12 ، التي تنص على أنه ” لا يجوز تعريضُ أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته. ولكلِّ شخص حقٌّ في أن يحميه القانونُ من مثل ذلك التدخُّل أو تلك الحملات.”
قامت السلطات العمانية بانتهاك خصوصية اشخاص لإثبات التهم عليهم. حيث أنه واستنادا على قانون جهاز الأمن الداخلي، فإن العديد من المواد، مثل 8 و 10،تتيح للجهاز إمكانية التجسس على أجهزة الأفراد واستخدام خصوصياتهم.
تقوم السلطات بمراقبة وانتهاك خصوصية النشطاء السياسيين والنشطاء في قضايا المجتمع من خلال تتبع حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ورصد اتصالاتهم الهاتفية، ومراقبة لقاءاتهم الودية في الأماكن العامة، حيث يتم تعيين شخصيات أمنية للقيام بهذه المهمة.
الكثير من النشطاء تم استدعاؤهم للتحقيقات، حيث تم استجوابهم بشأن تسجيلاتهم الصوتية ورسائلهم النصية الخاصة عبر الإنترنت، كما أنه تم وجه العديد من التهم ضد النشطاء بسبب رسائل واتس آب التي تم استخدامها كدليل في المحاكم العمانية. مثلما حدث مؤخرا في قضية مريم النعيمي التي تمت مقاضاتها بسبب رسالة خاصة عبر الواتساب
مبادئ التحقيق في مجال حقوق الإنسان والاعتقال لها أهمية بالغة في ضمان حماية واحترام حقوق المشتبه بهم. وتشمل هذه المبادئ افتراض البراءة، والحق في محاكمة عادلة، والحماية من التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة، والحق في الخصوصية. للأسف، قامت السلطات العمانية بانتهاك هذه المبادئ من خلال الاحتجاز التعسفي واستخدام التعذيب لانتزاع الاعترافات، بالإضافة لانتهاك الحق في الخصوصية من خلال مراقبة النشطاء على الإنترنت وحسابات وسائل التواصل الاجتماعي. هذه الأعمال غير مقبولة وتتعارض مع المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان وسيادة القانون.