
في اليوم العالمي لحرية الصحافة: قانون جديد يزيد من القيود على العمل الصحفي
يحتفل العالم في الثالث من مايو من كل عام باليوم العالمي لحرية الصحافة، وهي مناسبة للتأمل في الدور الحيوي الذي يؤديه الإعلام في المجتمع، واستحضار التحديات التي يواجهها الصحفيون في سعيهم وراء الحقيقة. وتُعدّ حرية وسائل الإعلام في العديد من الدول مؤشراً أساسياً على مدى تقدمها واحترامها لحقوق الإنسان.
في هذا السياق، تواجه عُمان انتقادات متزايدة بسبب الانتهاكات الموجهة ضد الصحفيين، والممارسات الرقابية، والقيود المفروضة على حرية الإعلام.
ويُعدّ سجل عمان في مجال حرية الإعلام وحرية التعبير مقلقاً، وفقاً لتصنيف منظمة مراسلون بلا حدود (RSF)، إذ جاءت في المرتبة 134 من أصل 180 دولة في مؤشر حرية الصحافة لعام 2025، وهو ما يعكس تدهور وضع الحريات الإعلامية في البلاد.
بالإضافة إلى ذلك، صنّفت منظمة فريدوم هاوس سلطنة عُمان على أنها “غير حرة”، حيث منحتها 24 نقطة فقط من أصل 100 في تقريرها لعام 2025، موزعة على 6 من 40 في الحقوق السياسية و18 من 60 في الحقوق المدنية. وأشار التقرير إلى التراجع الحاد في مستوى الحريات المدنية، نتيجة القيود المشددة على حرية التعبير، وحرية تكوين الجمعيات، وحق التظاهر السلمي.
في 10 نوفمبر 2024، أصدر هيثم بن طارق في 10 المرسوم رقم 58/2024 المتعلق بقانون الإعلام. ورغم أن هذا القانون، الذي طال انتظاره، بدأ في مادته الثالثة بإلغاء القوانين المثيرة للجدل والتي عفا عليها الزمن ولم تعد تتماشى مع متطلبات العصر الحالي، مثل قانون المطبوعات والنشر، إلا أنه تضمن مواد أثارت جدلاً أكبر. من بين هذه المواد، فرض عقوبات على الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي، شملت السجن والغرامات المالية. كما تطرق القانون إلى تنظيم عمل مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة قد تُعرّض صانعي المحتوى على يوتيوب والبودكاست للمساءلة القانونية.
في ديسمبر 2020، وفي خطوة اعتبرها المركز إعاقة للعمل الإعلامي وتطويره، أصدر وزير الإعلام تعديلاً على قانون المطبوعات والنشر، بحيث تُطبق الأحكام ذاتها على وسائل الإعلام الرقمية والإلكترونية بموجب قانون الإعلام التقليدي. وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من أن القانون عادة ما يتضمن بند “حرية الإعلام مكفولة” وفق النظام الأساسي للدولة، إلا أن القوانين المحلية الأخرى تُقيّد هذه الحرية وتعزز الرقابة الذاتية على الإعلاميين والصحفيين.
على سبيل المثال، يحتوي قانون الجزاء العُماني على العديد من الأحكام التي تحدّ من حرية الصحافة وتدفق المعلومات. من بين هذه الأحكام، المادة (115) التي تنص على عقوبة السجن لمدة قد تصل إلى 3 سنوات لكل من حرّض أو أذاع أو نشر عمداً، سواء في الداخل أو الخارج، أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة، وكان من شأن ذلك النيل من هيبة الدولة أو إضعاف الثقة في أسواقها المالية أو مكانتها الاقتصادية والمالية. تم استخدام هذا البند لإغلاق الصحف المستقلة، مثل إغلاق جريدة الزمن في عام 2016 ، بعد أن نشرت تقارير عن الفساد الإداري في وزارة العدل ، ومؤخرا في استهداف الأفراد الذين يتحدثون ضد سياسات الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي.
كذلك يمُثل عدم توقيع عمان على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، جدلا حول نيتها إلى احترام المعايير الدولية لحقوق الإنسان فيما يتمثل في حرية الرأي والتعبير والحقوق المدنية والسياسية، التي تعتبر الصحافة والإعلام أحد أركانها.
علاوة على ذلك ، تحظر المادة 249 من نفس القانون نشر أخبار تتعلق بتحقيق جاري أو وثيقة ذات صلة دون إذن من النيابة العامة أو المحكمة المختصة ، مع عقوبات تصل إلى سنتين في السجن وغرامات. تم استخدام هذا الحكم لاستهداف الصحفيين الذين يكتبون عن الفساد أو غيرها من القضايا الحساسة.
في مارس / آذار 2022 ، اتهم الصحفي مختار الهنائي بموجب المادة 249 بعد أن غرد عن قضية فساد مالي وإداري في احد الوزارات الحكومية، ورغم انتهاء القضية منذ يوليو 2022 وتبرئة المحكمة له، إلا أنه لا زال متوقفا عن العمل بسبب الضغوطات الممارسة عليه.
كما أن الصحفية فاطمة العريمي أعلنت في مارس 2023 توقف منصتها الإخبارية “وكالة واف” عن البث، دون ذكر للأسباب، مع العلم أن وزارة الإعلام العمانية كانت قد سحبت رخصة تمثيل وكالة رويترز عن العريمية في يناير 2017.
كما تم تحويل إذاعة هلا إف إم ومواطنة عمانية “أم رقية” للتحقيق، وكانت أم رقية ظهرت في إحدى الحلقات الإذاعية للقناة وعرضت صورا تتضمن تخريبا وإهمالا في أحد المدارس الحكومية في ولاية العامرات في محافظة مسقط. ولا زالت القضية سارية حتى الآن.
مع العلم، أن الإعلامية ومذيعة قناة هلا إف إم “خلود العلوية” كانت قد تعرضت للإيقاف من وزارة الإعلام العمانية في ديسمبر 2021 وكذلك برنامجها “كل الأسئلة” قبل أن تتراجع الوزارة عن قرارها حسب بيان أصدرته جمعية الصحفيين العمانيين في 29 ديسمبر 2021.
يشكل قانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات في عمان أيضًا تهديدًا لحرية الصحافة، حيث تنص المادة 19 على عقوبات بالسجن والغرامات لأي شخص يستخدم الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات في إنتاج أو نشر أو توزيع أو شراء أو حيازة كل ما من شأنه – أو ينطوي على – المساس بالقيم الدينية أو النظام العام. تكنولوجيا. تم استخدام هذا الحكم لاستهداف نشطاء وسائل التواصل الاجتماعي والأفراد النشطين بالسياسة أو الحرية الدينية.
كما أن القيود المفروضة على حرية التعبير يمثل أحد أكبر التحديات أمام حرية الصحافة، والشفافية والحياد. على سبيل المثال ، المادة (٩٧) من قانون الجزاء تعاقب بالسجن لمدة أقصاها ٧ سنوات كل من ينتقد السلطان أو عائلته أو سلطته. لمن ينتقد السلطان أو أسرته أو يتحدى سلطته. تم استخدام هذا الحكم لإسكات المعارضة ومعاقبة الأفراد الذين يجرؤون على التعبير عن آرائهم.
يعد المركز العماني لحقوق الإنسان والديمقراطية نهج عمان التقييدي تجاه حرية الصحافة والرقابة على وسائل الإعلام مدعاة للقلق. يفرض قانون المطبوعات والنشر الذي عفا عليه الزمن، والذي لم يواكب التطورات التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي، رقابة شديدة على الصحفيين والمنصات الإعلامية. كما ان القيود المفروضة على حرية التعبير، سواء في قانون الجزاء العماني أو قانون الجرائما لإلكترونية، وتجريم انتقاد السلطان وعائلته يدل على عدم التسامح مع الآراء المعارضة للقوانين السائدة أو التوجه الرسمي وتتجاهل مبادئ حرية الصحافة والتعبير.
من الضروري أن تتخذ عُمان خطوات جدية لإصلاح قوانينها وممارساتها المتعلقة بحرية الإعلام وحرية التعبير، بما يتماشى مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان، لتعزيز الشفافية والمساءلة والمشهد الإعلامي النابض بالحياة الذي يخدم الشعب. من الضروري أن تضمن الحكومة العمانية أن الصحفيين والإعلاميين يمكنهم القيام بعملهم دون خوف من الرقابة أو المضايقة أو السجن.