
بين القانون والرقابة: مراجعة نقدية للتشريعات الإعلامية في عُمان
يُشكّل النهج التقييدي الذي تتبعه عمان في التعامل مع حرية الصحافة والرقابة على وسائل الإعلام مصدر قلق بالغ، بحسب المركز العماني لحقوق الإنسان والديمقراطية. ويُظهر الإطار القانوني المنظّم للعمل الإعلامي، بما في ذلك قانون الإعلام، افتقارًا واضحًا لمواكبة التطورات التكنولوجية ووسائل التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يؤدي إلى فرض قيود صارمة على الصحفيين والمنصات الإعلامية. كما تسهم التشريعات الأخرى، مثل قانون الجزاء العماني وقانون مكافحة جرائم تقنية المعلومات، في تقويض حرية التعبير من خلال تجريم انتقاد السلطان وأفراد أسرته، في دلالة على محدودية تقبّل الآراء المخالفة للخطاب الرسمي، وتجاهل المعايير الدولية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير.
ويتناول هذا التقرير، على وجه الخصوص، قانون الإعلام الجديد الذي صدر في عام 2024، وما ينطوي عليه من تهديدات إضافية لحرية العمل الصحفي والنشر في عمان، إلى جانب التأثيرات السلبية على الحق في حرية الرأي والتعبير.
قانون الإعلام:
أصدر هيثم بن طارق في 10 نوفمبر المرسوم رقم 58/2024 المتعلق بقانون الإعلام. ورغم أن هذا القانون، الذي طال انتظاره، بدأ في مادته الثالثة بإلغاء القوانين المثيرة للجدل والتي عفا عليها الزمن ولم تعد تتماشى مع متطلبات العصر الحالي، مثل قانون المطبوعات والنشر، إلا أنه تضمن مواد أثارت جدلاً أكبر. من بين هذه المواد، فرض عقوبات على الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي، شملت السجن والغرامات المالية. كما تطرق القانون إلى تنظيم عمل مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة قد تُعرّض صانعي المحتوى على يوتيوب والبودكاست للمساءلة القانونية.
في ديسمبر 2020، وفي خطوة اعتبرها المركز إعاقة للعمل الإعلامي وتطويره، أصدر وزير الإعلام تعديلاً على قانون المطبوعات والنشر، بحيث تُطبق الأحكام ذاتها على وسائل الإعلام الرقمية والإلكترونية بموجب قانون الإعلام التقليدي. وتجدر الإشارة إلى أنه بالرغم من أن القانون عادة ما يتضمن بند “حرية الإعلام مكفولة” وفق النظام الأساسي للدولة، إلا أن القوانين المحلية الأخرى تُقيّد هذه الحرية وتعزز الرقابة الذاتية على الإعلاميين والصحفيين.
على سبيل المثال، يحتوي قانون الجزاء العُماني على العديد من الأحكام التي تحدّ من حرية الصحافة وتدفق المعلومات. من بين هذه الأحكام، المادة (115) التي تنص على عقوبة السجن لمدة قد تصل إلى 3 سنوات لكل من حرّض أو أذاع أو نشر عمداً، سواء في الداخل أو الخارج، أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة أو بث دعايات مثيرة، وكان من شأن ذلك النيل من هيبة الدولة أو إضعاف الثقة في أسواقها المالية أو مكانتها الاقتصادية والمالية.
وقد تم استخدام هذا البند لإغلاق الصحف المستقلة، مثل إغلاق جريدة “الزمن” في عام 2016 بعد نشرها تقارير عن الفساد الإداري في القضاء وعدد من المناصب السياسية العليا. ومؤخراً، استُخدم هذا البند لاستهداف الأفراد الذين ينتقدون سياسات الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي.
يحتوي قانون الجزاء على العديد من الأحكام التي تحد من حرية الصحافة وتدفق المعلومات. على سبيل المثال، المادة 115 تنص على عقوبة السجن لمدة قد تصل إلى 3 سنوات لكل من حرّض أو أذاع أو نشر عمداً، سواء في الداخل أو الخارج، أخباراً أو بيانات أو إشاعات كاذبة أو مغرضة، أو بث دعاية مثيرة، وكان من شأن ذلك النيل من هيبة الدولة أو إضعاف الثقة في أسواقها المالية أو مكانتها الاقتصادية والمالية. وقد تم استخدام هذا البند لإغلاق الصحف المستقلة، مثل إغلاق جريدة “الزمن” في عام 2016، بعد نشرها تقارير عن الفساد الإداري في وزارة العدل، ومؤخراً في استهداف الأفراد الذين ينتقدون سياسات الحكومة على وسائل التواصل الاجتماعي.
علاوة على ذلك، تحظر المادة 249 من نفس القانون نشر أخبار تتعلق بتحقيق جارٍ أو وثائق ذات صلة دون إذن من النيابة العامة أو المحكمة المختصة، وتفرض عقوبات تصل إلى السجن لمدة سنتين وغرامات مالية. وقد تم استخدام هذا الحكم لاستهداف الصحفيين الذين يكتبون عن قضايا الفساد أو غيرها من القضايا الحساسة.
في مارس 2022، وُجّهت تهمة للصحفي مختار الهنائي بموجب المادة 249 بعد أن نشر تغريدة حول قضية فساد مالي وإداري في إحدى الوزارات الحكومية. ورغم انتهاء القضية في يوليو 2022 وتبرئة المحكمة له، إلا أنه لا يزال متوقفاً عن العمل بسبب الضغوطات الممارسة عليه.
وفي مارس 2023، أعلنت الصحفية فاطمة العريمي عن توقف منصتها الإخبارية “وكالة واف” عن البث دون ذكر الأسباب. يُذكر أن وزارة الإعلام العمانية كانت قد سحبت رخصة تمثيل وكالة “رويترز” من العريمي في يناير 2017.
وعودةً إلى قانون الإعلام، فإن القانون الجديد يعزّز الرقابة الذاتية على الأفراد والمؤسسات العاملة في المجال الإعلامي، بما في ذلك النشاطات الفردية، حيث اشترط الحصول على ترخيص من الوزارة قبل ممارسة أي نشاط أُدرِج ضمن الأعمال الإعلامية في القانون، مع استثناء الوحدات التابعة للأجهزة الإدارية للدولة.
ورغم أن القانون الجديد ألغى ما سبقه، فإنه من جهة أخرى أقر العديد من المواد الواردة في القانون السابق، بل وأضاف إليها، مما يمنح السلطة مزيداً من القدرة على التحكم في العمل الإعلامي وتقييده. على سبيل المثال، ينص البند (2) من المادة (4) على حظر النشر في أي تحقيق أو محاكمة إلا بعد صدور حكم نهائي. في المقابل، كان “قانون المطبوعات والنشر” السابق، وتحديداً المادة (29)، يشترط إصدار أمر من المحكمة لمنع النشر، أي أن النشر لا يُمنع عن أي قضية إلا إذا قررت المحكمة عدم الخوض فيها.
خصص القانون الجديد فصلاً خاصاً بالعقوبات، بينما كان مجموع العقوبات في القانون القديم أربع عقوبات متعلقة بالطباعة، وتراخيص الإصدار، ونشر ما من شأنه النيل من شخص السلطان أو الأسرة الحاكمة، بالإضافة إلى نشر مواد محظورة. أما القانون الجديد، فقد تضمن عشر عقوبات (المواد 50-59)، مع منح صفة الضبطية القضائية لموظفي وزارة الإعلام لتطبيق أحكام القانون، وفقاً للمادة 49. يُذكر أن القانون الجديد تجنب تكرار العقوبات المنصوص عليها في قانون الجزاء، مثل عقوبة النيل من شخص السلطان أو الأسرة الحاكمة.
كما نص القانون في البند (3) من المادة (4) على حظر نشر أو بث أي أخبار أو معلومات أو بيانات تلقت الوزارة توجيهات بعدم نشرها. ويعيد هذا إلى الأذهان بعض القضايا السابقة، مثل إغلاق جريدة “الزمن” في عام 2016 بعد نشرها تحقيقاً حول الفساد في جهاز القضاء والمناصب العليا للدولة، وكذلك حادثة الهجوم الإرهابي في منطقة الوادي الكبير بمحافظة مسقط في يوليو من هذا العام، حيث امتنعت وسائل الإعلام الرسمية والخاصة في الدولة، وقت حدوث العملية الإرهابية، عن نشر أو تغطية الحادثة بعد صدور أوامر أمنية تمنع ذلك.
تجدر الإشارة إلى أن القانون الجديد لم يُشر إلى “رأس المال” الذي كان منصوصاً عليه في المادة (38) من القانون السابق. ولا يُعلم ما إذا كان تجاهل ذكر شرط رأس المال يُعد إلغاءً لهذا الشرط، أم تجنباً لتكرار النص القانوني، حيث إن هذا الشرط مذكور في قانون آخر، وهو قانون الشركات التجارية. ومع ذلك، نص القانون في المادة (12) على شرط يُسمى “الضمان المالي” دون تحديد قيمته. وأوضح أن الغرض من الضمان المالي هو ضمان حسن تنفيذ الشروط والوفاء بالالتزامات المنصوص عليها في اللائحة التنفيذية للقانون. وأشارت المادة إلى أنه في حال تم الخصم من الضمان، يتوجب على المرخص له استكمال قيمة الضمان.
بالإضافة إلى ذلك، يتضمن القانون الجديد عدة ملاحظات أخرى، مثل ما ورد في المادة (16) بشأن إمكانية إلغاء ترخيص أي مؤسسة لأسباب وصفها القانون بأنها تتعلق بـ”مقتضيات الأمن الوطني”.
للأسف، لم يأتِ القانون الجديد للإعلام إلا لتكريس سلطة الدولة على العمل الإعلامي وتوسيع القيود المفروضة عليه، مع تعزيز مفهوم الرقابة الذاتية التي يمارسها الإعلامي أو الصحفي على نفسه أثناء أداء مهامه، خشية الوقوع في أي من المحظورات التي نص عليها القانون، مما قد يعرضه للمساءلة القانونية التي قد تصل إلى فقدان العمل، وسحب رخصة المزاولة، بالإضافة إلى الحبس أو الغرامة.