يوم حقوق الإنسان – 10 ديسمبر

في العاشر من ديسمبر من كل عام، يحيي المجتمع الدولي اليوم العالمي لحقوق الإنسان، والذي يرمز إلى اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان (UDHR) من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 1948.

وقد نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على العديد من الحقوق بوصفها حقوقًا غير قابلة للتصرف، مؤكداً أن لكل فرد الحق في التمتع بهذه الحقوق “بغض النظر عن العرق أو اللون أو الدين أو الجنس أو اللغة أو الرأي السياسي أو أي رأي آخر، أو الأصل الوطني أو الاجتماعي، أو الملكية أو المولد أو أي وضع آخر”. ويُعد هذا الإعلان وثيقة أساسية في القانون الدولي لحقوق الإنسان، كما يشكل معيارًا عالميًا لحماية الكرامة الإنسانية.

وتؤكد الأمم المتحدة أن حقوق الإنسان تمثل أساسًا جوهريًا وتقع في صميم أهداف التنمية المستدامة (SDGs)، مشيرةً إلى أنه “في غياب الكرامة الإنسانية، لا يمكننا أن نأمل في تحقيق التنمية المستدامة”. ويبرز هذا الترابط بين حقوق الإنسان والتنمية المستدامة ضرورة حماية الكرامة الإنسانية لتحقيق تقدم عادل وشامل على المستوى العالمي.

وبهذه المناسبة، يُسلط المركز الضوء على عدد من القضايا الملحّة التي لا تزال تشكل تحدياً أمام حماية وتعزيز حقوق الإنسان في عمان. وتستلزم هذه التحديات، التي تتسم بالتعقيد والتنوع، اهتماماً فورياً وإجراءات فعّالة لضمان الامتثال للمعايير الدولية لحقوق الإنسان وحماية الحقوق والحريات الأساسية لجميع الأفراد في البلاد.


1 –   حرية النشر والعمل الإعلامي المستقل:
أصدر هيثم بن طارق في 10 نوفمبر المرسوم رقم 58/2024 المتعلق بقانون الإعلام. ورغم أن هذا القانون، الذي طال انتظاره، بدأ في مادته الثالثة بإلغاء القوانين المثيرة للجدل والتي عفا عليها الزمن ولم تعد تتماشى مع متطلبات العصر الحالي، مثل قانون المطبوعات والنشر، إلا أنه تضمن مواد أثارت جدلاً أكبر. من بين هذه المواد، فرض عقوبات على الصحفيين والعاملين في المجال الإعلامي، شملت السجن والغرامات المالية. كما تطرق القانون إلى تنظيم عمل مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة قد تُعرّض صانعي المحتوى على يوتيوب والبودكاست للمساءلة القانونية.

القانون الجديد يعزّز الرقابة الذاتية على الأفراد والمؤسسات العاملة في المجال الإعلامي، بما في ذلك النشاطات الفردية، حيث اشترط الحصول على ترخيص من الوزارة قبل ممارسة أي نشاط أُدرِج ضمن الأعمال الإعلامية في القانون، مع استثناء الوحدات التابعة للأجهزة الإدارية للدولة.

ورغم أن القانون الجديد ألغى ما سبقه، فإنه من جهة أخرى أقر العديد من المواد الواردة في القانون السابق، بل وأضاف إليها، مما يمنح السلطة مزيداً من القدرة على التحكم في العمل الإعلامي وتقييده. على سبيل المثال، ينص البند (2) من المادة (4) على حظر النشر في أي تحقيق أو محاكمة إلا بعد صدور حكم نهائي. في المقابل، كان “قانون المطبوعات والنشر” السابق، وتحديداً المادة (29)، يشترط إصدار أمر من المحكمة لمنع النشر، أي أن النشر لا يُمنع عن أي قضية إلا إذا قررت المحكمة عدم الخوض فيها.

2 –  حقوق المرأة:

على الرغم من الجهود التي تبذلها السلطات في عمان لإبراز صورة إيجابية عن حقوق المرأة، إلا أن الواقع الاجتماعي يُظهر تناقضات واضحة مع هذه الصورة. فلا تزال البُنى القبلية والنظام الأبوي تهيمن بشكل كبير على النسيج الاجتماعي، مما يُعزز الممارسات التمييزية ضد المرأة. ويظهر هذا التمييز بشكل جلي في القوانين المتعلقة بمنح الجنسية، حيث لا يُسمح للمرأة العمانية المتزوجة من أجنبي بنقل جنسيتها إلى أبنائها، في حين يتمتع الرجل بهذا الحق.

علاوة على ذلك، تعاني المرأة من نقص الحماية القانونية الكاملة فيما يتعلق بقضايا العنف الأسري، إذ لا توجد تشريعات محددة تجرّم العنف المنزلي بشكل واضح. كما أن القوانين المتعلقة بالطلاق والزواج والميراث تتضمن تمييزًا صريحًا ضد المرأة، حيث تُمنح الأولوية للرجل في العديد من المسائل، استنادًا إلى قانون الأحوال الشخصية.

كما يُعد غياب النساء عن السلك القضائي مثالاً بارزاً على هذه القيود؛ فعلى الرغم من وجود عدد كبير من النساء في مناصب قانونية عليا، مثل الادعاء العام ورئاسة النيابة العامة، لم يتم حتى الآن تعيين أي امرأة في منصب قضائي. يعكس هذا الإقصاء الحواجز الهيكلية والثقافية التي تحدّ من تمثيل النساء في السلك القضائي، مما يبرز تفاوتاً بين كفاءات المرأة وقدرتها على الوصول إلى المناصب القضائية. وتعكس هذه القيود التحديات الأوسع نطاقاً ضمن الأطر القانونية والمؤسسية في عُمان، والتي تعيق تقدم المرأة إلى أعلى مستويات السلطة القانونية.

3 –  حرية الدين والمعتقد:
تُعدّ عمان من الدول التي لا يتمتع فيها الأفراد بحرية المعتقد أو الحرية الدينية. فقد شهد العديد من الأفراد الذين أعلنوا توجهاتهم اللادينية علنًا أو انخرطوا في نشاطات فكرية حول الإلحاد، حالات من الاعتقال والسجن، وفي أحسن الأحوال، التحقيق. تنص المادة (2) من النظام الأساسي للدولة على أن عمان دولة دينية وأن الإسلام هو أساس التشريع، وهو ما يتفق مع التحدي الثالث الذي تمت مناقشته سابقًا حول فرض الدول أو الحكومات أديانًا أو حتى مذاهب معينة. وقد أدى هذا التحدي إلى وجود قوانين التجديف والتكفير، مثل المادة (269) من قانون الجزاء التي تعاقب بالسجن من 3 إلى 10 سنوات لكل من يشارك في أنشطة يمكن للقائمين على القانون تفسيرها بأنها معادية للدين أو تمس القيم الدينية.

مذهبيًا، استدعت السلطات الأمنية في عمان عددًا من الكتّاب في فترات سابقة بسبب نشرهم مقالات تتناول جانبًا من التاريخ المذهبي. مؤخرًا، وتحديدًا في يونيو الماضي، اعتقلت السلطات عددًا من المواطنين من ولاية طاقة بمحافظة ظفار بسبب أدائهم صلاة عيد الأضحى وفق توقيت مخالف للتقويم الرسمي للبلاد. وقد اتسعت دائرة الاعتقالات والاستدعاءات لاحقًا لتشمل المتعاطفين مع المعتقلين أو الرافضين للاعتقال. كما يحتوي الباب الأول من الفصل الثامن من قانون الجزاء العماني على مواد تجعل أي نشاط متعلق بحرية الفكر والدين أمرًا شبه مستحيل، نظرًا لشدة العقوبات التي يفرضها القانون على كل من ترى السلطات أنه يخالف النظام العام.

4 –   حقوق العمال والعمالة الوافدة

يعد نظام الكفالة أحد الإشكاليات الأساسية التي تواجه العمالة الوافدة في سلطنة عمان، حيث يربط إقامة العامل وإمكان استمراره في العمل بكفيله، مما يحد من حرية الحركة ويزيد من احتمال تعرض العامل للضغوطات أو الاستغلال.

لا يزال الوضع الحقوقي للعمالة الوافدة في سلطنة عُمان يواجه تحديات متعددة، حيث يعاني العمال غير العُمانيين من تمييز واضح مقارنةً بالعمالة الوطنية. يشمل هذا التمييز عدة جوانب، منها:

  • الأجور: تفاوت في مستويات الرواتب بين العمالة الوافدة والمحلية.
  • الأمان الوظيفي: محدودية الضمانات والاستقرار الوظيفي للعمالة الوافدة.
  • الوضع القانوني: تعقيدات قانونية تواجه العمالة الوافدة في حالة نشوب خلافات مع أصحاب العمل.

يُعزى جزء من هذه التحديات إلى نظام الكفالة، الذي وعدت السلطات العُمانية بإلغائه في عام 2020، إلا أنه لا يزال ساري المفعول حتى الآن.

وفقًا للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات، يمثل الوافدون حوالي 43.4% من إجمالي السكان في عُمان، حيث يبلغ عددهم أكثر من 2.2 مليون شخص. من بينهم، يشكل العمال الوافدون أكثر من 1.8    مليون، ما يمثل أكثر من 68.2% من القوى العاملة في مختلف القطاعات والأسواق. أكثر من 600 ألف من هؤلاء يعملون في مهن تعتبر غير مهارية أو تخصصية، مثل عمال المنازل وعمال المزارع،  وهي المهن التي تثير الجدل بسبب غياب الحماية الحقوقية للعمال، مقارنة بالعمالة الوافدة/المهاجرة التي تشغل مهن تخصصية أو مهارية.

يُعد نظام الكفالة أحد الأنظمة التي تُنتقد بشدة بسبب آثاره السلبية على حقوق العمالة الوافدة. من أبرز هذه الآثار مصادرة الكفيل للمستندات الرسمية أو الوثائق الشخصية للعامل، مما يمنحه سيطرة كاملة على حركة العامل ويضمن عدم مغادرته البلاد أو العمل لدى جهة أخرى دون إذن مسبق. غالبًا ما يُمارَس هذا السلوك في الوظائف ذات الدخل المنخفض، مثل عمال النظافة، وعمال المنازل، والمزارعين.

علاوة على ذلك، يتحمل العامل مسؤولية إيجاد فرصة عمل، والتي قد لا تكون دائمًا متوافقة مع طبيعة الوظيفة التي دخل البلد بموجبها. يضطر العامل أيضًا إلى دفع مبالغ مالية شهرية للكفيل، إلى جانب تحمل جميع التكاليف الشخصية، بما في ذلك نفقات تجديد إقامته في البلاد.

5 –   حرية الرأي والتعبير:
      – حسب المادة 97 من قانون الجزاء المحدث، فإن أي صاحب رأي معارض يُعتقل قد يواجه السجن مدة لا تقل عن 3 سنوات ولا تزيد على 7 سنوات!.
– نقد رئيس أي دولة أجنبية مُجرَّم في عمان حسب المادة 102، ويعاقب فاعله بالسجن مدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تزيد على 3 سنوات.
– التظاهر السلمي ممنوع في عمان ويعتبر جريمة، ويعاقب كل من يشترك في احتجاج سلمي بالغرامة والسجن مدة تصل إلى سنة، حسب المادة 121 من قانون الجزاء العماني التي تُشرِّع عملية الاعتقال.
– تكوين الأحزاب أو الجمعيات لممارسة العمل السياسي أو الحقوقي مجرّم في عمان حسب المادة 116 من قانون الجزاء المحدث، ومدة العقوبة تصل إلى عشر سنوات.

6-   الإخفاء القسري والاعتقال التعسفي:
للأسف، في عمان، يواجه الناشطون الحقوقيون وأي فرد يحمل آراء أو توجهات فكرية معارضة للسلطة مضايقات متكررة من جهاز الأمن الداخلي (المخابرات). تشمل هذه المضايقات عدة أشكال، أبرزها الإخفاء القسري، حيث يتم استدعاء الضحية للتحقيق عبر اتصال هاتفي، ومن ثم يُحتجز في مكان غير معلوم، دون السماح له بالتواصل مع محاميه أو أسرته.

تتضمن عناصر الإخفاء القسري ثلاث نقاط رئيسية تُشكل خطورة على الضحايا، وهي:

  1. الحرمان من الحرية رغماً عن إرادة الشخص المعني.
  2. ضلوع مسؤولين حكوميين في العملية، على الأقل بالقبول الضمني أو الصمت.
  3. رفض الاعتراف بالاحتجاز أو إخفاء مصير الشخص المختفي ومكان وجوده.

في إبريل 2020، وافقت سلطنة عمان على الانضمام إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، مع تحفظ وحيد يتعلق بالفقرة 1 من المادة 42.

على الرغم من انضمام عمان إلى الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، إلا أن ممارسات الإخفاء القسري لا تزال مستمرة، خاصة ضد الناشطين ومعتقلي الرأي. على سبيل المثال، شهدت محافظة ظفار اعتقال أفراد من قبيلة المعشني، وكذلك الناشط سعيد جداد، حيث تم تحويل كلا القضيتين لاحقًا إلى المحاكمة.

زر الذهاب إلى الأعلى