المجتمعات الحرة.

تتميز المجتمعات المتقدمة ذات التمثيل الديقراطي المتين والحريات الفردية المصانة وحقوق الإنسان المزدهرة بالحرية وعلو القانون فوق العادات والتقاليد وآراء الأغلبية من المجتمع. وهو ما وفّر بيئة ومناخا آمنا للأفراد والأقليات في ممارسة حرياتهم وحقوقهم بعد أن توفرت القوانين المناسبة لحمايتهم. هذه المجتمعات عادة ما تعتمد على الحرية كمسار للأمن والآمان، وليس قوّة السلطة واستبدادها وترهيبها، حيث يجد معظم أفرادها أن في توفر مناخ الحرية وصيانة الحقوق دافع أساسي إلى احترام القانون والسعي إلى المحافظة عليه أو تطويره حسب متطلبات الزمن والتغيرات الديموغرافية والتطورات.
عرّف الفيلسوف بوبر المجتمع الحر في كتابه “المجتمع الحر وأعداءه” على أنه المجتمع الذي يعيش فيه أفراده كما يريدون وبما يتناسب معهم دون تدخل من الدولة/السلطة، حيث أكد على أهمية الديمقراطية والحرية والتسامح في هذه المجتمعات مشيرا إلى أن المجتمعات الحرة هي الباقية والمستمرة وليست المنغلقة. كما ناقش ستيوارت ميل في مقالته “في الحرية” أن الحرية الفردية ضرورية من أجل تقدم المجتمعات مبسطا تعريف الحرية على أنها حرية الإرادة من غير إكراه. كما ناقش أن التدخل الشرعي الوحيد للسلطة يكون فقط من أجل منع الضرر على الآخرين.
تعتبر عمان من الدول التي يتمتع فيها الأفراد بحريات محدودة جدا، مع ممارسة هؤلاء الأفراد الرقابة الذاتية على أفعالهم وكتاباتهم وآرائهم لتجنب أي مساءلة قانونية قد تدينهم أو تورطهم في قضايا ينتج عنها الاعتقال والسجن. الكثير من القوانين المحلية في عمان تتضمن الكثير من المواد والبنود التي تجرم حرية الرأي والتعبير. كما أن طبيعة النظام السياسي، السلطاني/ملكي وراثي، أحد الأسباب الرئيسية إلى وجود هذه المساحة الضيقة من حرية الرأي والتعبير. حيث يحتكر السلطان مناصبا عدة حسب النظام الأساسي للدولة مثل رئاسة الدولة ورئاسة مجلس الوزراء ورئاسة الحكومة والمجلس الأعلى للقضاء.
قانون الجزاء العماني أحد القوانين التي تمثل عائقا كبيرا لحرية الرأي والتعبير وحقوق الإنسان، حيث أنه يتضمن العديد من القوانين التي تجرم ممارسة الأفراد لحقوقهم مثل انتقاد السلطان أو أداء الحكومة أو المطالبة بتطوير أو تغيير النظام السياسي. ويمكن للسلطة ممثلة في الإدعاء العام تفسير القوانين وفق معايير غير واضحة حيث تعتبر الكثير من هذه المواد فضفاضة وتحتمل التأول، وقد يتم اتهام الأفراد بالنيل من هيبة الدولة أو التحريض ضد النظام أو إعابة الذات السلطانية. على سبيل المثال، المادة 97 تعاقب بالسجن من 3 سنوات إلى 7 سنوات كل من يمكن تفسير رأيه على أنه طعنا أو إعابة في السلطان أو أسرته.
كما تمثل المادة 115 من نفس القانون عائقا أمام المدونين والصحفيين، حيث أن المادة في بنودها الثلاثة تستخدم لاستهداف المدوّنين والناشطين والكتّاب في حالة كتابة أي شيء يفضح أي فساد في الحكومة. استُغلَّ نفس محتوى هذا القانون (المادة 19 من قانون جرائم تقنية المعلومات) في 2016 لإغلاق جريدة الزمن، واستُغل للتضييق على جريدة البلد الإلكترونية حتى قرر فريق تحريرها إغلاقها خوفاً من أي إجراءات عقابية قد تطال أعضاءه. كما استغلته السلطات الأمنية في 2017 لسحب رخصة صحفية بسبب خبر نشرته وكالة رويترز، كما استُغل أيضاً لحظر موقع مجلة مواطن الإلكترونية.
كذلك المادة 121 من القانون نفسه تعاقب بالسجن مدة لا تقل عن 3 أشهر ولا تزيد عن سنة، مع غرامة، كل من اشترك في مظاهرة سلمية. وقد واجه الكثير من الأفراد أحكاما بالسجن بسبب اشتراكهم أو تنظيمهم لمظاهرات سلمية. هاني السرحاني الذي اعتقل في أغسطس 2022 واجه تهما تتعلق بالدعوة إلى التجمهر وكذلك نشر وإذاعى أخبار كاذبة، وذلك فقط لدعوته للتجمهر السلمي احتجاجا على الأوضاع الاقتصادية.
الجدير بالذكر، أن المجتمع العماني غير حر، حيث لا يتمتع فيه الأفراد بحرية الرأي والتعبير، ولا يمكنهم تأسيس الأحزاب السياسية ولا الجمعيات الحقوقية المستقلة. منظمة فريدوم هاوس في تقريرها الأخير حول الحريات، صنفت عمان على أنها غير حرة مستندة على معايير عدة حول الحريات السياسية والمدنية، مثل العملية الانتخابية (أكدت على أن الشورى مجرد مجلس استشاري)، والتعددية السياسية والحريات المدنية.