
أوضاع العمالة المنزلية في عمان
يواجه العمال المنزليون تحديات جمّة في أداء مهامهم اليومية، تشمل ظروف العمل القاسية، والتهميش، وتعدد المهام دون مقابل مادي إضافي. كما يُحرَم العديد منهم من حقهم الطبيعي في الراحة والإجازات، سواء اليومية أو الأسبوعية أو الشهرية، نتيجة تعامل أصحاب العمل معهم باعتبارهم أدوات عمل مستمرة لا يحق لها التوقف طالما هناك حاجة إلى خدماتهم.
يحتفل العالم باليوم الدولي للعمالة المنزلية في 16 يونيو من كل عام. وتحظى قضية العمال المنزليين باهتمام متزايد نظرًا للوضع الحرج الذي يعانون منه، والانتهاكات التي يتعرضون لها في بعض الدول العربية. وتُعرّف منظمة العمل الدولية (ILO) العاملات المنزليات بأنهن “العاملات اللاتي يقمن بأعمال في أو لصالح منزل أو منازل خاصة”. وتشير المنظمة إلى أن مسؤوليات العامل المنزلي قد تشمل مهام مثل تنظيف المنزل، والطبخ، وغسل وكي الملابس، ورعاية الأطفال، وكبار السن، أو أفراد الأسرة المرضى، إلى جانب أعمال مثل البستنة، وحراسة المنزل، والقيادة للأسرة، وحتى رعاية الحيوانات الأليفة.
وتُقدّر المنظمة أن هناك أكثر من 75 مليون عامل منزلي حول العالم. ومع ذلك، لا يزال الكثير منهم غير محميين أو غير مرئيين ضمن السياسات العمالية، إذ يعمل أكثر من 80٪ منهم في القطاع غير الرسمي، غالبًا دون حماية اجتماعية أو أمن وظيفي. ويُضطر هؤلاء العمال غالبًا إلى أداء أعمال بالغة الصعوبة، في حين لا يكسبون سوى 56% من متوسط أجر الموظفين الآخرين.
وتُعَدّ الهشاشة القانونية إحدى أبرز الإشكاليات التي تواجه هذه الفئة. ففي دول مثل عُمان، حيث لا يزال نظام الكفالة معمولًا به حتى اليوم، يظل العمال المنزليون، ولا سيما عاملات المنازل القادمات من دول مثل إثيوبيا ونيجيريا وبنغلاديش وغيرها، خارج نطاق الحماية القانونية الكافية ضد الانتهاكات المذكورة. ويُعزى هذا الضعف القانوني إلى إغفال المشرّع العُماني إدراج هذه الفئة ضمن مظلة قانون العمل، ورغم التصريحات الحكومية المتكررة بشأن النية في إلغاء نظام الكفالة، فإنه لم تُتَّخذ خطوات فعلية في هذا الصدد. ويعود هذا الإغفال إلى اعتبار أن علاقة العمل في هذا السياق لا تنشأ مع مؤسسة، بل مع أفراد، مما يُعمّق من تهميش هذه الفئة وحرمانها من أبسط الحقوق القانونية والاجتماعية.
في فبراير 2024، عبّرت اللجنة المعنية بالقضاء على التمييز ضد المرأة التابعة للأمم المتحدة عن قلقها من أن قانون العمل الحالي لا ينطبق على العاملات والعمال المنزليين من المهاجرين، ومعظمهم من النساء، مما يعرّضهم لخطر الاستغلال والانتهاك الاقتصادي والجسدي. وقد حثّت اللجنة عُمان على التعجيل بإدراج العمالة المنزلية الوافدة ضمن قانون العمل الحالي، إلى جانب دعوتها إلى ضرورة اعتماد قانون خاص لتنظيم العمل المنزلي، يكفل الحماية اللازمة من العنف والإساءة والاستغلال.
ورغم توقيع عُمان على عدد من اتفاقيات منظمة العمل الدولية وتفعيلها، إلا أنها لم تُوقّع أو تُصادق حتى الآن على الاتفاقية رقم 189 بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين (C189)، وهو ما يعني أنها غير ملزمة قانونيًا بتطبيقها.
استنادًا إلى استبيان عام نفّذه المركز حول العاملات المنزليات في عُمان، خلصت النتائج إلى أن عُمان لا تلتزم بالمادتين 3 و5 من اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 189 بشأن العمل اللائق للعمال المنزليين. تُلزم هاتان المادتان الدولَ الأعضاء بضمان الترويج الفعّال لحقوق الإنسان وحمايتها لجميع العمال المنزليين، وتوفير حماية فعّالة لهم من جميع أشكال الإساءة والتحرش والعنف. فعلى سبيل المثال، غالبًا ما يتم الاتفاق مع عاملات المنازل شفهيًا أو بشكل غير رسمي على أجور ووظائف محددة، لكنهن يُفاجأن بواقع مختلف تمامًا عند وصولهن إلى عُمان.
بموجب نظام الكفالة، تقوم مكاتب استقدام العاملات المنزليات – أو من يصبح لاحقًا كفيلًا لهن (أي الشخص المسؤول عن عملهن) – بمصادرة وثائقهن، مثل جوازات السفر أو بطاقات الهوية، وهو ما يُعد انتهاكًا صريحًا للمادة 9 من الاتفاقية. كما تفشل هذه الممارسات في تزويد العاملات بعقود عمل مكتوبة تُمكِّنهن من معرفة حقوقهن والمطالبة بها، مثل تحديد مكان العمل وساعاته، مما يُعد انتهاكًا للمادة 7 من الاتفاقية، التي تشترط إبلاغ العمال المنزليين بشروط العمل كتابةً حيثما أمكن.
وينطبق الانتهاك ذاته على نقل عقود العاملات بين الكفلاء دون موافقتهن، حيث تُنقل عقودهن إلى كفيل جديد بمجرد إعادة الكفيل السابق لهن إلى مكتب الاستقدام، وهو ما يُعد انتهاكًا واضحًا آخر للمادة 9 من الاتفاقية.
ورغم أن اللجنة العُمانية لحقوق الإنسان أشارت في دليلها المتعلق بحقوق وواجبات القوى العاملة غير العُمانية إلى عدد من الحقوق والواجبات الخاصة بالعمالة المنزلية، إلا أن الدليل أغفل المشاكل الفعلية التي تواجهها عاملات المنازل وآليات حلها عند تقديم البلاغات، كما لم يُبيِّن ما إذا كانت اللجنة تتخذ إجراءات قانونية أو احترازية في مثل هذه الحالات.
فالدليل -المستند إلى القرار الوزاري لوزارة العمل رقم 189/2004– وإن تطرق في أحد بنوده إلى حق العامل(ة) المنزلي(ة) في الحصول على تذكرة سفر للعودة إلى بلده(ا) في حال مخالفة المهنة المتفق عليها، إلا أنه تجاهل أن معظم العمال والعاملات يأتون من بلدان تعاني اقتصاديًا، ويجدون أنفسهم عاجزين عن العودة بسبب ما تكبّدوه من ديون أو نفقات باهظة لتحصيل فرصة العمل.
كما أن اللجنة، رغم ردها على تقارير دولية عن سوء معاملة عاملات المنازل من جنسيات محددة في عُمان، وأقرّت بوقوع انتهاكات، إلا أنها عزت أسبابها إلى ما تتعرض له العاملات في بلدانهن الأصلية، دون إيضاح الإجراءات المتخذة ضد مكاتب الاستقدام المتورطة في عمليات الاحتيال. كما لم تُفصّل فيما إذا كانت العاملات يحظين بمساعدة قانونية أو إمكانية التواصل المباشر مع الجهات المختصة.
رغم أن المادة 5 من قانون العمل الجديد (مرسوم سلطاني رقم 53/2023) تحظر على صاحب العمل فرض أي عمل قسري على العامل، إلا أنه يُلاحظ أن القانون استثنى العمالة المنزلية من أحكامه، حيث نصت المادة الثانية على أن أحكامه ‘لا تسري على من ينظم عملهم قوانين أو أنظمة خاصة’. كما تجدر الإشارة إلى أن عُمان من الدول التي لم تُوقِّع حتى الآن على اتفاقية منظمة العمل الدولية بشأن التمييز في العمل.
بناءً على ذلك، يقدم المركز التوصيات التالية إلى المشرع العُماني لتحسين أوضاع العمالة المنزلية، ولا سيما عاملات المنازل:
توصيات سياساتية للإصلاح التشريعي
لمعالجة هذه المظالم المؤسسية، التي تؤثر بشكل خاص على العاملات المنزليات المهاجرات، يتطلب الأمر تنفيذ الإجراءات التالية على وجه السرعة:
إلغاء نظام الكفالة
- يُعتبر هذا النظام شكلاً حديثاً من العمل القسري، حيث يُرسخ اختلال التوازن في السلطة بين العامل وصاحب العمل.
إنشاء آلية طوارئ للإبلاغ على مدار الساعة
- إطلاق خط ساخن مجاني مع ضمان:
- بروتوكولات حماية فورية
- توثيق سري للحالات
- خدمات دعم متعددة اللغات
الحقوق التعاقدية وظروف العمل
- الحق غير المقيد في إنهاء العقد
- تنظيم ساعات العمل (بحد أقصى 8-10 ساعات يومياً)
- فترات راحة أسبوعية إلزامية (24 ساعة متواصلة على الأقل)
- أحكام إجازة سنوية قانونية
- سكن مُراقب من الحكومة ومتوافق مع معايير منظمة الصحة العالمية
تنظيم مكاتب الاستقدام
- ترخيص إلزامي مع نظام تتبع بيومتري يشمل:
- رسوم التوظيف
- الالتزام بالعقود
- صرف الأجور
- عقوبات جنائية لمخالفات الاتجار بالبشر وفقاً لبروتوكولات الأمم المتحدة
توحيد عقود العمل
- عقود ثنائية اللغة (عربي/لغة العامل) تشمل:
- أوصاف وظيفية متوافقة مع معايير منظمة العمل الدولية
- هياكل أجور شفافة
- آليات لتسوية الشكاوى
التصديق على اتفاقية منظمة العمل الدولية رقم 189
- اعتماد رسمي لاتفاقية العمال المنزليين (2011) لضمان:
- إدراجهم في أنظمة الضمان الاجتماعي
- الحق في المفاوضة الجماعية
- الوصول إلى المحاكم العمالية