الحق في الخصوصية في العصر الرقمي

في سياق التطور السريع للعالم الرقمي، حيث أصبحت التكنولوجيا أكثر انتشارًا واستخداما في حياتنا اليومية، الخاصة والمهنية، ظهر حق الخصوصية الرقمية كقضية حقوقية مهمة وحرجة في الوقت ذاته. فبالرغم من الفوائد العديدة، والتسهيلات، التي جلبها  العصر الرقمي، إلا أن التحديات التي أثارها فيما يتعلق بحماية المعلومات الشخصية، وضمان أمان البيانات، ومعالجة آثار ممارسات المراقبة، تحديات كبيرة ومعقدة. بما في ذلك دور الحكومات والسلطات المستبدة في وضع آلية مراقبة مشددة واستخدام برامج وطرق متطورة تسمح لها في ممارسة الرقابة والاختراق. 

المادة 12 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان تنص على أنه: “لا يجوز تعريضُ أحد لتدخُّل تعسُّفي في حياته الخاصة أو في شؤون أسرته أو مسكنه أو مراسلاته، ولا لحملات تمسُّ شرفه وسمعته. ولكلِّ شخص حقٌّ في أن يحميه القانونُ من مثل ذلك التدخُّل أو تلك الحملات. حيث يحق للجميع أن يحظوا بحماية القانون ضد مثل هذا التدخل أو الاعتداءات”. بالإضافة إلى ذلك، يُعيد الاتفاق الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، في المادة 17، تأكيد حق هذه الخصوصية ويوضح ضرورة حماية الأفراد من أي تدخل تعسفي أو غير قانوني في خصوصيتهم أو أسرهم أو منازلهم أو مراسلاتهم. وفي السياق ذاته، يتناول القرار 68/167 الذي اعتمدته الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 2014 مسألة حيوية، وهي “حق الخصوصية في العصر الرقمي”. حيث أكد هذا القرار على أهمية الحفاظ على حق الخصوصية في العصر الرقمي، كما حثّ الدول الأعضاء على اتخاذ التدابير اللازمة لحمايته.

في عمان، يشهد الدور المتوسع لجهاز الأمن الداخلي (المخابرات)، وغيرها من الأجهزة الأمنية اللاحقة له أو المتعاونة معه، تهديدا لسلامة الأفراد وأمانهم الشخصي فيما يتعلق بالاستخدام الرقمي سواء على مستوى حياتهم الشخصية أو المهنية. المركز تلقى بلاغات عدّة من أشخاص تم استدعائهم للتحقيقات بطريقة غير قانونية، مثل تلقي اتصال من رقم مجهول، أو زيارتهم في أماكن عملهم والطلب منهم قسرا الذهاب معهم للتحقيق. يتفاجأ الأشخاص أثناء التحقيق بأخذ كافة أجهزتهم منهم، مثل الهاتف النقال أو الأجهزة اللوحية أو الكمبيوتر الشخصي. كما أكدّ الأشخصا أنه ولحظة تلقي أمر المثول للاستجواب، يتم الطلب منهم إحضار كافة أجهزتهم الشخصية معهم. 

في عام 2020، وتحديدا بعد أقل من شهرين من تولي السلطة، أصدر السلطان الحالي هيثم بن طارق مرسوما 4/2020 يقضي بإصدار قانون جهاز الأمن الداخلي. المادة 10 من القانون تعطي كافة الصلاحيات للجهاز للإطلاع على معلوامت أي شخص إذا قدرت هذه المعلومات على أنها أمنيا ضرورية. هذه الضرورة يتم تحديد أهمية ودرجة هذه الضرورة من الجهاز نفسه. كما تعطي المادة 11 من القانون الحق للجهاز في اتباع “سلطة الرقابة والتحري” بكافة الوسائل المتاحة، مع عدم اعطاء الحق لأي مؤسسة، أمنية كانت أم قضائية في مراقبة هذه السلطة إلى بأمر من السلطان نفسه. 

وللتوسع أكثر في مراقبة الأفراد وخصوصياتهم، فقد أصدر السلطان مرسوما، 64/2020، بإنشاء مركز الدفاع الإلكتروني، الذي وحسب المادة 1 من نظامه، يترأسه رئيس جهاز الأمن الداخلي. رغم أن المركز في نظامه يتم تقديمه على أنه استراتيجية وطنية للدفاع الإلكتروني، إلا أنه ومع قانون جهاز الأمن الداخلي، لديه من الصلاحيات التي تمكنه من اختراق أجهزة الأفراد الشخصية، أو حتى المؤسسات، بحجة حماية أمن البلد ونظامه. وهو ما تنصّ عليه المادة 6 من الفصل الثاني المعنون بــ أهداف واختصاصات المركز. 

كذلك وجود عدد من القوانين الأخرى تساهم إلى تعزيز الرقابة الذاتية من الأفراد أنفسهم فيما يخص تواصلهم مع الغير، أو النشر عبر منصات مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة أو فضاء الإنترنت بصورة عامة. حيث تمّت إدانة عدد من الناشطين والمغردين والكتّاب بسبب منشوراتهم أو مقالاتهم، استنادا على مواد من قانون الجزاء العماني، مثل المواد 97 و 102 و 108 و 115، أو المادة 19 قانون مكافحة الجرائم الإلكترونية. الكثير ممن تم استدعائهم أو تعرضوا للتحقيق، تم سؤالهم عن تواصلهم مع أفراد أو جهات، استنادا على مراقبة أجهزتهم والتطبيقات الإلكترونية الموجودة في هذه الأجهزة. 

استنادا على كل ما سبق، يتضح جليا أن حق الخصوصية الرقمي في عمان منتهك، خاصة من التشلايعات والقوانين الموجودة والتي تساعد على تغطية أي اعتداء رقمي أو انتهاك للخصوصية بطريقة قانونية، تمكن الاجهزة الأمنية من مراقبة نشاط الأفراد ومعاقبتهم بالحرمان من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي أو الاعتقال والسجن إذا ما فسرت الأجهزة الأمنية أي نشاط لهؤلاء الأفراد على أنه ضد القانون أو يمس بهيبة الدولة. 

زر الذهاب إلى الأعلى