اليوم العالمي للديمقراطية 15 سبتمبر
حالة الديقراطية في عمان

تعد الديمقراطية وسيلة ناجعة في مشاركة الشعب في رسم واتخاذ القرار السياسي، فهي وحسب ما قال عنها الرئيس الأمريكي لينكولن “من الشعب، بواسطة الشعب، ولأجل الشعب”. ولعل الجملة إياها تحمل الكثير من المعاني خاصة حينما يتعلق الأمر بمشاركة الشعوب في اختيار من يحكمها، ومراقبتهم ومحاسبتهم. الكلمة نفسها اشتقت من الكلمة اليونانية “ديموكراتيا” والتي تعني حكم الشعب، وتستخدم لوصف نظام سياسي يدار من المواطنين والذين بدورهم يؤثرون على القرار السياسي إمام بطريقة مباشرة أو عن طريق من انتخبوهم ليمثلوهم.
في إعلان فيينا، المؤتمر العالمي لحقوق الإنسان، شددت وثيقة الإعلان في المادة الثامنة على أن الديمقراطية والتنيمة واحترام الحقوق والحريات أمور مترابطة ويعزز بعضها بعضا. كما أن الوثيقة ترى أن الديمقراطية من أحد أهدافها هو الحفاظ على كرامة الفرد وتحقيق العدالة الاجتماعية وتعزيز التماسك المجتمعي. تكمن أهمية العمل البرلماني ووجوده في كونه يستمد مبادئ عمله من الديمقراطية التي تتركز أهميتها من كونها قائمة على فكرة العدل والمساواة وحماية الحقوق والحريات، وأن السلطة خاضعة لممثلين للشعب أو للشعب مباشرة. تنص مفوضية الأمم المتحدة بشكل أساسي على ترابط الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية، حيث تعد عملية الانتخابات النزيهة عنصراً أساسيّاً للديمقراطية وبالتالي لحماية حقوق الإنسان المدنية والسياسية.
عند تحديد جاهزية الدول للديمقراطية، يتعلق الأمر بمسألة معقدة ومثار جدل بين العلماء والخبراء. بينما لا يوجد مجموعة من المعايير المتفق عليها عالميًا، هناك عدة عوامل يتم النظر فيها عادة عند تقييم جاهزية الدول للديمقراطية. فيما يلي بعض العوامل الرئيسية المدعومة بالأدبيات الأكاديمية:
التنمية الاقتصادية: تشير الدراسات إلى وجود علاقة إيجابية بين التنمية الاقتصادية واحتمالية نجاح عملية الديمقراطية. أحد الدراسات أشارت إلى أن تحقيق التقدم الاقتصادي يساعد على نمو المجتمعات المتوسطة والبيئة التعليمية التي بدورها تعمل على خلق مناخ مناسب لازدهار قيم الديمقراطية والمؤسساتية. دراسة أخرى أكدت على وجود هذه العلاقة الإيجابية بين التنمية الاقتصادية والديمقراطية الناجحة مشيرة إلى أن المستويات العالية للدخل تدعم الاستقرار الديمقراطي.
التعليم ومعدل الأمية: يُعتبر التعليم عاملًا هامًا في بناء القيم الديمقراطية وتعزيز مشاركة المواطنين النشطة. يرجح أن السكان الذين يحظون بتعليم جيد أكثر عرضة لفهم المبادئ الديمقراطية والمشاركة بنشاط في العمليات السياسية (إنغلهارت وفيلزل، 2005).
المجتمع المدني ورأس المال الاجتماعي: يلعب وجود مجتمع مدني نشط، بما في ذلك المنظمات غير الحكومية والحركات الاجتماعية والشبكات الاجتماعية القوية، دورًا هامًا في تعزيز جاهزية الدول للديمقراطية. تلعب منظمات المجتمع المدني دورًا حاسمًا في التدافع لإحداث إصلاحات ديمقراطية ومساءلة الحكومة وتعزيز مشاركة المواطنين (بوتنام، 1993).
الثقافة السياسية والقيم: يُعتبر وجود ثقافة سياسية ديمقراطية تتسم بالاحترام لحقوق الإنسان والتعددية والتسامح والالتزام بالقيم الديمقراطية أمرًا ضروريًا لتنفيذ الديمقراطية بنجاح (إنغلهارت وفيلزل، 2005).
القدرة المؤسسية: تعتبر المؤسسات القوية والفعالة، بما في ذلك السلطة القضائية المستقلة، ولجان الانتخابات المحايدة، ووسائل الإعلام الحرة، وضوابط الرقابة والتوازنات، أمرًا حاسمًا لعمل النظام الديمقراطي (دياموند، 1999).
من الضروري أن نلاحظ أن هذه العوامل ليست قواعد ثابتة وقائمة. يمكن أن يتفاوت التقدم نحو الديمقراطية وجاهزية الدول في ظل تأثير العديد من العوامل السياسية والاجتماعية والاقتصادية المتداخلة. ومع ذلك، فإن دراسة هذه العوامل المذكورة يمكن أن تساعد في فهم المتغيرات التي قد تسهم في المستقبل أو حتى في الوقت الحالي في التأثير إيجابا أو سلبا على تحقق الديمقراطية في ظل وجود الرغبة المؤسساتية الرسمية والتكوين المجتمعي الدافع إلى هكذا تغيير.
حالة الديمقراطية في عمان:
عُمان، وكغيرها من دول الخليج العربي أو بعض أنظمة الشرق الأوسط، دولة ذات نظام استبدادي. حيث أن النظام السياسي هو ملكية (سلطاني) مطلقة حيث أن السلطان الحالي، هيثم بن طارق، هو رئيس الدولة والحكومة وكذلك القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورئيس المجلس الأعلى للقضاء. ورغم محاولة عمان منذ عهد السلطان السابق قابوس بن سعيد إلى تقديم نفسها على أنها دولة تحرص على توظيف أدوات الديمقراطية في النظام السياسي عبر تكوين مجلس عمان، يتكون من مجلس الشورى الذي يُنتخب أعضائه من الشعب ومجلس الدولة الذي يتم تعيين أعضائه بمرسوم سلطاني، إلا أنّ المجلس وإن كان يتم تقديمه في مناسبات عدة على أنه برلمان عمان، دوره السياسي لا يتجاوز الاستشارة، ويتاح له فرصة إقرار أو تعديل مشروعات القوانين لغير الوزارات السيادية.
رغم وجود مجلس عمان، والذي يتكون من شقين: أعلى وأدنى، حيث يمثل الشق الأعلى مجلس الدولة الذي يتم تعيين أعضاءه بمرسوم سلطاني، والشق الأدنى مجلس الشورى الذي يتكون من أعضاء يتم انتخابهم كل 4 سنوات من الشعب، إلا أن المجلس بشقيّه لا يمكن اعتباره برلمانا. حيث أن المجلس يتمتع بصلاحيات محدودة جدا لا تتجاوز الدور الاستشاري، حسب النظام الأساسي للدولة، المجلس بشقيه دوره لا يتجاوز مناقشة وإقرار مشروعات القوانين ومناقشة خطط التنمية.
كما أن السلطان في عمان على رأس العديد من المناصب، مثل رئاسة الدولة، ورئاسة الوزراء، والمجلس الأعلى للقضاء. كما أن النظام السياسي في عمان سلطاني ملكي وراثي حيث يتمتع السلطان بالسلطة المطلقة. إضافة إلى ذلك، لا يوجد في عمان حرية للمجتمع المدني في إنشاء الأحزاب السياسية أو الجمعيات/المنظمات الحقوقية. المادة 116 من قانون الجزاء العماني تجرم أيّ نشاط يمكن تفسيره على هذا النحو. كما أن المادة 121 من نفس القانون تجرم التجمع والمظاهرات السلمية، حيث يعتبر أي تجمع لما يزيد عن 10 أشخاص يهدد الأمن أو النظام العام.
كما أن قانون الجنسية في الفقرة 1 من المادة 20 يُعطي الحق لوزارة الداخلية إلى إسقاط الجنسية عن أي عماني يثبت أنه ينتمي إلى حزب أو جماعة يمكن تفسير أنشطتها على أنها مبادئ وعقائد تضر بمصلحة عمان. وهو الأمر الذي يُثير المخاوف إلى استخدام السلطات لهذه المادة، أو القانون بصورة عامة، إلى التضييق على أي نشاط حقوقي أو سياسي، أو حتى أي دعاوى فردية أو جماعية لوجود نشاط حقوقي وسياسي مستقل للمجتمع المدني. مع الإشارة أن عمان إلى الآن لم توقع على العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يُعتبر أحد أركان الشرعة الدولية لقانون حقوق الإنسان.
كما يذكر المركز، أنه وفي ظل التضييق المستمر على الناشطين في عمان، فإن وزارة الداخلية العمانية لها كل الحق إلى استبعاد أي مرشح يتقدم بطلب للترشح لانتخابات مجلس الشورى. في يونيو 2023، استبعدت وزارة الداخلية عددا من الأسماء المترشحة للانتخابات، دون إبداء أي أسباب. وشملت قائمة الأسماء المستبعدة كلا من: ماجد الرحيلي، عوض الصوافي وعضو المجلس السابق أحمد الهدابي.
رغم أنه وحسب قانون الانتخابات، الذي يتم استبعاده هو من سبق الحكم عليه نهائيًّا بعقوبة جناية أو في جريمة مخلة بالشرف أو الأمانة ولو رد إليه اعتباره، أن يكون مقيدًا في السجل الانتخابي، ألا يكون منتسبًا إلى جهة أمنية أو عسكرية، ألا يكون محجورًا عليه بحكم قضائي، ألا يكون مصابًا بمرض عقلي. كما أجازت المادة نفسها لمن انتهت عضويتهم الترشح مجددا لفترة ثانية.
في مؤشرها الأخير للديمقراطية لعام 2023، وضعت إيكونومست إنتليجنس عمان في خانة الدول المستبدة. ورغم تقدم عمان 6 مراكز عن العام الماضي، من 125 إلى 119، إلا أن التقييم ظلّ هو نفسه لم يتغير (3.12 من 10). كما استمر تقييم كلا من التعددية والمشاركة السياسية على حالهما، 0.08 و 2.78. مع العلم أن المؤشر رتّب أنواع الأنظمة إلى تصنيفات أربعة، وهي: الديمقراطية الكاملة/المكتملة، الديمقرطية المعيبة/الناقصة، الأنظمة الهجينة، وأخيرا الأنظمة الاستبدادية.
كذلك، ووفقا لـــ منظمة “فريدوم هاوس” فإن عمان تعتبر دولة “غير حرة” وقد حصلت على درجة 24/100 في تقييم الحريات السياسية والمدنية التي يتمتع بها السكان. حصلت عمان على 6 نقاط من 40 في الحقوق السياسية، و 18 من 60 في الحريات المدنية. كما أشارت المنظمة في تقريرها إلى حصول عمان على تقدير متدني جدا في الحريات المدنية وذلك نتيجة القيود المفروضة على حرية التعبير عن الرأي وعلى تكوين الجمعيات أو حرية التظاهر السلمي. مع غياب أي تمثيل نسائي في مجلس الشورى نتيجة للانتخابات الأخيرة في أكتوبر 2023.
عمان لم توقع للآن العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، الذي يشدد على المشاركة السياسية والحريات الحزبية في العديد من بنوده.
برأيك، ما هي الوسيلة الأمثل كي تصبح عمان دولة ذات نظام سياسي ديمقراطي حقيقي!